للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من ناداك؟ قال: نعم، نادَتْني (١) ملائكةُ ربِّي. قال: بل ذلك الشيطانُ، لو كان هذا (٢) من ربِّك لأخفاه إليك كما أخفيت نداءَك. فقال: ﴿قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً﴾ (٣).

فكان قوله ما قال من ذلك، ومراجعته ربَّه فيما راجَعَ فيه بقوله: ﴿أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ﴾. للوسوسة التي خالطت قلبه من الشيطان، حتى خَيَّلت إليه أن النداء الذي سمعه كان نداءً مِن غير الملائكة فقال: ﴿أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ﴾. مُسْتَثْبتًا فِي أمرِه، ليَتَقَرَّرَ عندَه بآيةٍ، يُرِيه اللهُ في ذلك أنه بشارةٌ مِن الله على ألسن ملائكته، ولذلك قال: ﴿رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً﴾.

وقد يجوز أن يكونَ قِيلُه ذلك مسألةً منه ربَّه: من أيِّ وجهٍ يكون الولدُ الذي بُشِّر به، أمِن زوجته؟ فهى عاقرٌ، أم من غيرها من النساء؟ فيكونُ ذلك على غير الوجه الذي قاله عكرمةُ والسُّدِّيُّ ومَن قال مثل قولهما.

القولُ في تأويل قوله: ﴿كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾.

يعنى جلّ ثناؤه بقوله: ﴿كَذَلِكَ اللَّهُ﴾: أيْ هو: ما وصَف به نفسَه أنه هيِّنٌ عليه أن يَخْلُقَ ولدًا من الكبير الذي قد يئِس من الولد، ومن العاقرِ التي لا يُرْجَى من مثلها الولادةُ، كما خلقك يا زكريا من قبل خلق الولد منك ولم تك شيئًا؛ لأنه الله الذي لا يَتَعَذَّرُ عليه خلق شيءٍ أراده، ولا يمتنع عليه فعلُ شيءٍ شاءه؛ لأن قدرته القدرة التي لا يُشْبهها قدرةٌ.

كما حدَّثني موسى، قال: ثنا عمرٌو، قال: ثنا أسباط، عن السُّدِّيِّ، قال:


(١) في م، ت ١، س: "ناداني".
(٢) في س: "نداء".
(٣) ذكره ابن عطية في المحرر الوجيز ٢/ ٤٠٨، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ٢٢ إلى المصنف.