للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالخير منهما" (١).

حدَّثنا المثنى، قال: ثنا سويدُ بنُ نصرٍ، قال: أخبرنا ابن المباركِ، عن عاصمٍ الأحولِ، عن الحسنِ، قال: قال رسولُ الله : "إِن اللَّهَ ضَرَب لَكُمُ ابْنَيْ آدمَ مثَلًا، فخُذوا مِن خيرِهم، ودَعُوا الشرَّ" (٢).

القولُ في تأويلِ قوله: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾.

يعنى تعالى ذكرُه بقوله: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ﴾: مِنْ جَرِّ ذلك وجَرِيرَتِه وجنايته. يقولُ: مِن جَرَّ القاتلِ أخاه من ابْنَيْ آدمَ اللذَيْنِ اقْتَصَصْنا قصتَهما - الجريرةَ التي جَرَّها، وجنايتِه التي جَناها، ﴿كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾.

يقالُ منه: أَجَلْتُ هذا الأمرَ. أي: جَرَرْتُه إليه، وكسَبْتُه. أجلُه له أَجْلًا، كقولِك: أخَذْتُه أخْذًا. ومن ذلك قولُ الشاعر (٣):

وأهل خباءٍ صالحٍ ذاتُ بينِهمْ … قد احْتَرَبوا في عاجلٍ أنا آجِلُه

يعنى بقولِه: أنا آجِلُه: أنا الجارُّ ذلك عليهم والجاني.

فمعنى الكلام: من جنايةِ ابن آدمَ القاتلِ أخاه ظلمًا، حَكَمْنا على بني إسرائيلَ أنه من قتَل منهم نفسًا ظلمًا بغيرِ نفسٍ قُتِلَتْ، فقتَل بها قِصاصًا، ﴿أَوْ فَسَادٍ فِي


(١) تفسير عبد الرزاق ١/ ١٨٧.
(٢) ذكره ابن كثير في تفسيره ٣/ ٨٥ عن ابن المبارك به.
(٣) نسبه أبو عبيدة في مجاز القرآن ١/ ١٦٣ إلى الخنوت توبة بن مضرس، ونسبه التبريزي في تهذيب إصلاح المنطق ١/ ١٤ إلى خوات بن جبير، وقال ابن بري - كما في اللسان (أ ج ل) -: وقد وجدته أنا من شعر زهير. وينظر خبر الخنوت في المؤتلف والمختلف للآمدي ص ٩١.