المشركين ما تعِدُهم من عذابِك، فلا تُهلِكْنى بما تهلكُهم به، ونجِّنى من عذابِك وسَخَطِك، فلا تجعَلْنى في القومِ المشركين، ولكن اجعلْنى ممن رَضِيتَ عنه من أوليائِك.
وقولُه: ﴿فَلَا تَجْعَلْنِي﴾. جوابٌ لقولِه: ﴿إِمَّا تُرِيَنِّي﴾. اعتُرِض بينهما بالنداءِ، ولو لم يكنْ قبلَه جزاءٌ لم يَجُزْ ذلك في الكلامِ، لا يقالُ: يا زيدُ فقمْ. ولا: يا ربِّ فاغفرْ لى. لأنَّ النداءَ مستأنَفٌ، وكذلك الأمرُ بعدَه مستأنفٌ، لا تدخلُه الفاءُ والواوُ، إلا أنْ يكون جوابًا لكلامٍ قبلَه.
وقولُه: ﴿وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: وإنا يا محمدُ على أنْ نريَك في هؤلاء المشركين ما نعِدُهم من تعجيلِ العذابِ لهم - لقادرون، فلا يَحْزُنَنَّك تكذيبُهم إياك بما نعِدُهم به، وإنما نؤخِّرُ ذلك ليبلُغَ الكتابُ أجلَه.
يقولُ تعالى ذِكرُه لنبيِّه: ادفعْ يا محمدُ بالخَلَّةِ التي هي أحسنُ؛ وذلك الإغضاءُ والصفحُ عن جَهَلةِ المشركين، والصبرُ على أذاهم. وذلك أمرَه إياه قبلَ أمرِه بحربِهم.
وعنَى بـ "السيئة": أذى المشركين إياه وتكذيبهم له فيما أتاهم به من عند عندِ اللهِ. يقولُ له تعالى ذِكْرُه: اصْبرْ على ما تَلقَى منهم في ذاتِ اللهِ.