للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيها من أهلِها إهلاكًا، كما قال الفرزدقُ (١):

وكانَ لَهُمْ كِبَكْرِ ثَمُودَ لَمَّا … رَغَا ظُهْرًا فَدمَّرَهُمْ دَمارا

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (١٧)﴾.

وهذا وعيدٌ من اللَّهِ تعالى ذكرُه مكذِّبي رسولِه محمدٍ من مشركى قريشٍ، وتهديدٌ لهم بالعقابِ، وإعلامٌ منه لهم أنهم إن لم يَنتَهُوا عما هم عليه مقيمون من تكذيبِهم رسولَه أنه مُحِلٌّ بهم سُخْطَه، ومنزِّلٌ بهم من عقابِه ما أنزَل بمَن قبلَهم من الأممِ الذين سلَكوا في الكفرِ باللَّهِ، وتكذيبِ رُسلِه سبيلَهم. يقولُ اللَّهُ تعالى ذكرُه: وقد أهلَكنا أيها القومُ من قبلِكم من بعدِ نوحٍ إلى زمانِكم قرونًا كثيرةً كانوا من جحودِ آياتِ اللَّهِ والكفرِ به وتكذيبِ رسلِه، على مثلِ الذي أنتم عليه؛ ولستمُ بأكرمَ على اللَّهِ تعالى منهم؛ لأنه لا مناسبةَ بيَن أحدٍ وبينَ اللَّهِ جلَّ ثناؤُه، فيُعذِّبُ قومًا بما لا يُعذِّبُ به آخرين، أو يَعفُو عن ذنوبِ ناسٍ فيعاقبُ عليها آخرين. يقولُ جلَّ ثناؤُه: فأَنِيبُوا إلى طاعةِ اللَّهِ ربَّكم، فقد بعَثنا إليكم رسولًا يُنَبِّهُكم على حُجَجِنا عليكم ويُوقِظُكم من غفلتِكم، ولم نَكُنْ لنعذِّبَ قومًا حتى نبعَثَ إليهم رسولًا مُنَبِّهًا لهم على حججِ اللَّهِ، وأنتم على فُسُوقِكم مقيمون. ﴿وَكَفَى بِرَبِّكَ﴾ يا محمدُ ﴿بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا﴾. يقولُ: وحَسْبُك يا محمدُ باللَّهِ خابرًا بذنوبِ خلقِه عالمًا، فإنه لا يَخْفَى عليه شيءٌ من أفعالِ مشركى قومِك هؤلاء ولا أفعالِ غيرِهم من خلقِه، هو بجميعِ ذلك عالمٌ خابرٌ. ﴿بَصِيرًا﴾. يقولُ: يُبصِرُ ذلك كلَّه فلا يَغِيبُ عنه منه شيءٌ، ولا يَعْزُبُ عنه مثقالُ ذرَّةٍ في الأرضِ ولا في السماءِ، ولا أصغرُ من ذلك ولا أكبرُ.


(١) شرح ديوان الفرزدق ص ٤٤٣.