للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقولُه: ﴿وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ يقولُ: لم يكنْ يُشْرِكُ في عبادتِه أحدًا من خلقِه، فكذلك أنتم أيضًا أيها اليهودُ، فلا يتَّخِذْ بعضُكم بعضًا أربابًا من دونِ اللهِ، تُطيعونهم كطاعةِ إبراهيمَ ربَّه. وأنتم يا معشرَ عَبَدةِ الأوثانِ، فلا تتَّخذوا الأوثانَ والأصنامَ أربابًا، ولا تعبُدوا شيئًا من دونِ اللهِ؛ فإن إبراهيمَ خليلَ الرحمنِ كان دينُه إخلاصَ العبادةِ لربِّه وحدَه، من غيرِ إشراكِ أحدٍ معه فيه، فكذلك أنتم أيضًا، فأَخْلِصوا له العبادةَ، ولا تشرِكوا معه في العبادةِ أحدًا، فإن جميعَكم مُقرُّون بأن إبراهيمَ كان على حقٍّ وهَدْيٍ مستقيمٍ، فاتَّبِعوا ما قد أَجْمَع جميعُكم على تَصْويبِه من ملَّتِه الحنيفيَّةِ، ودَعُوا ما اخْتَلَفتم فيه من سائرِ الملل غيرِها، أيها الأحزابُ، فإنها بِدَعٌ ابْتَدَعْتُموها، إلى ما قد أَجْمَعتم عليه أنه حقٌّ، فإن الذي أَجْمَعتم عليه أنه صوابٌ وحقٌّ من ملةِ إبراهيمَ، هو الحقُّ الذي ارْتَضَيْتُه، وابْتَعثتُ به أنبيائِى ورسلي، وسائرُ ذلك هو الباطلُ الذي لا أقبَلُه من أحدٍ مِن خَلْقى جاءني به يومَ القيامةِ.

وإنما قال جلَّ ثناؤُه: ﴿وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾. يعنى به: وما كان من عَدَدِهم وأوليائِهم. وذلك أن المشركين بعضُهم من بعضٍ في التَّظاهُرِ على كفرِهم، ونُصْرةِ بعضِهم بعضًا، فبرَّأ اللهُ إبراهيمَ خليلَه أن يكونَ منهم، أو من (١) نُصرائِهم وأهلِ ولايتِهم. وإنما عنَى جلَّ ثناؤُه بالمشركين: اليهودَ والنصارى وسائرَ الأديانِ غيرِ الحنيفيَّةِ. قال: لم يكنْ إبراهيمُ من أهلِ هذه الأديانِ المشركةِ، ولكنه كان حنيفًا مسلمًا.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (٩٦)﴾.


(١) زيادة يقتضيها السياق.