للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القولُ في تأويلِ قولِه ﷿: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (٣٧) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٣٨)﴾.

قال أبو جعفرٍ : يقولُ تعالى ذكرُه: ودليلٌ لهم أيضًا على قدرةِ اللهِ على فعلِ كلِّ ما شاء، ﴿اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ﴾. يقولُ: نَنْزِعُ عنه النهارَ. ومعنى "منه" في هذا الموضعِ: "عنه"، كأنه قيل: نَسْلَخُ عنه النهارَ، فتَأْتِى بالظُّلمةِ ونَذْهَبُ بالنهارِ. ومنه قولُه: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا﴾ [الأعراف: ١٧٥]. أي: خرَج منها وترَكها، فكذلك انسلاخُ الليلِ من النهارِ. وقولُه: ﴿فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ﴾. يقولُ: فإذا هم قد صاروا في ظلمةٍ بمجيءِ الليلِ.

وقال قتادةُ في ذلك ما حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ﴾. قال: يُولِجُ الليلَ في النهارِ، ويُولِجُ النهارَ في الليلِ (١).

وهذا الذي قاله قتادةُ في ذلك عندى، من معنى سلخِ النهارِ من الليلِ - بعيدٌ؛ وذلك أن إيلاجَ الليلِ في النهارِ إنما هو زيادةُ ما نقَص من ساعاتِ هذا في ساعاتِ الآخرِ، وليس السَّلْخُ من ذلك في شيءٍ؛ لأن النهارَ يُسْلَخُ من الليلِ كلِّه، وكذلك الليلُ من النهارِ كلِّه، وليس يُولَجُ كلُّ الليلِ في كلِّ النهارِ، ولا كلُّ النهارِ في كلِّ الليلِ.

وقولُه: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: والشمسُ تَجْرِى لموضعِ قرارِها. بمعنى: إلى موضعِ قرارِها. وبذلك جاء الأثرُ عن رسولِ اللهِ .


(١) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٥/ ٢٦٣ إلى المصنف وعبد بن حميدٍ وابن أبي حاتم.