للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

آيةٌ في كتابِ اللهِ ما حدَّثْتُكم. وتلا: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ﴾ (١).

حدثني محمدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ عبدِ الحكمِ، قال: ثنا أبو زُرعةَ وهْبُ اللهِ بنُ راشدٍ، عن يونسَ قال: قال ابنُ شهابٍ، قال ابنُ المسيَّبِ، قال أبو هريرةَ: لولا آيتان أنزَلهما اللهُ في كتابِه ما حَدَّثْتُ شيئًا: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى﴾، إلى آخرِ الآيةِ (٢). والآيةُ الأخرى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ﴾ (٣) [آل عمران: ١٨٧] إلى آخرِ الآيةِ.

القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤه: ﴿أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (١٥٩)﴾.

يعني تعالى ذكرُه بقولِه: ﴿أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ﴾: هؤلاءِ الذين يَكْتُمون ما أنزَل اللهُ مِن أمرِ محمدٍ وصفتِه وأمرِ دينِه، أنه الحقُّ، مِن بعدِ ما بيَّنَه اللهُ لهم في كتُبِهم، يَلْعَنُهم اللهُ بكِتْمانِهم ذلك وتَرْكِهم تَبْيِينَه للناسِ. واللعنةُ الفَعْلةُ. مِن: لَعَنه اللهُ، بمعنى: أقصاهُ اللهُ وأبعدَه وأسْحقَه. وأصلُ اللعنِ: الطَّرْدُ، كما قال الشَّماخُ بنُ ضِرارٍ، وذكَر ماءً ورَد عليه (٤):

ذَعَرْتُ به القَطا ونَفَيْتُ (٥) عنه … مَقامَ الذِّئْبِ كالرَّجُلِ اللّعِينِ

يعني به مَقامَ الذئبِ الطَّرِيدِ، و"اللعينُ" من نعتِ الذئبِ، وإنما أرادَ: مَقامَ


(١) أخرجه عبد الرزاق في التفسير ١/ ٦٤، وابن سعد في الطبقات ٢/ ٣٦٢، ٣٦٣، وأحمد ١٢/ ٢٢١ (٧٢٧٦)، والبخاري (١١٨)، ومسلم (٢٤٩٢)، وغيرهم من طريق الأعرج عن أبي هريرة. وينظر الدر المنثور ١/ ١٦٣.
(٢) في الأصل، ت ١، ت ٢، ت ٣: "الآيتين". وهو لفظ مسلم في الموضع الآتي.
(٣) أخرجه مسلم (٢٤٩٢) عقب حديث عائشة، من طريق يونس به، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ١/ ٢٦٨ (١٤٤٠) من طريق ابن شهاب به. وعندهما بغير ذكر آية آل عمران.
(٤) ديوان الشماخ ص ٣٢١.
(٥) في الأصل: "ونيت".