للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾. منسوخٌ بالحدود؛ لأن الحد حقُّ الله جل ثناؤه على مَن أتى الفاحشة التي هي زنًى، وأمَّا العَضْلُ لِتَفْتَدِى المرأة من الزوج بما آتاها أو ببعضه، فحقٌّ لزوجها، كما عَضْلُه إيَّاها وتضييقه عليها إذا هي نشرت عليه لِتَفْتَدِى منه، حقٌّ له، وليس حكم أحدهما يُبْطِلُ حكم الآخرِ.

فمعنى الآية: ولا يَحِلُّ لكم أيها الذين آمنوا أن تَعْضُلُوا نساءكم، فتضيِّقوا عليهنَّ، وتمنعوهنَّ رزقهنَّ وكسوتهنَّ بالمعروف؛ لِتَذْهَبوا ببعض ما آتَيْتُموهنَّ مِن صَدُقاتِكم، ﴿إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ﴾ مِن زنًى أو بذاءٍ عليكم، وخلاف لكم فيما يَجِبُ عليهنَّ لكم. ﴿مُبَيِّنَةٍ﴾: ظاهرة. فيحلَّ لكم حينئذٍ عَضْلُهنَّ والتضييق عليهنَّ؛ لِتَذْهَبوا ببعض ما آتيتموهنَّ مِن صَداقٍ، إن هنَّ افْتَدَيْنَ منكم به.

واخْتَلفت القَرَأَةُ في قراءة قوله: ﴿مُبَيِّنَةٍ﴾؛ فقرأ ذلك بعضُهم: (مُبَيَّنَةٍ) بفتح الياء (١)، بمعنى أنها قد بُيِّنت لكم، وأُعلنت وأُظْهِرت.

وقرأه بعضُهم: ﴿مُبَيِّنَةٍ﴾ بكسر الياء (٢)، بمعنى أنها ظاهرةٌ بيِّنةٌ للناس أنها فاحشةٌ.

وهما قراءتان مستفيضتان في قَرَأَةِ أمصار الإسلام، فبأيَّتِهما قرأ القارئُ فمصيبٌ في قراءته الصوابَ؛ لأن الفاحشة إذا أظْهَرها صاحبها فهي ظاهرةٌ بَيِّنةٌ، وإذا ظهرت فبإظهارِ صاحبها إيَّاها ظهرت، فلا تكون ظاهرةً بيِّنةٌ إلا وهي مُبَيَّنَةٌ، ولا مُبَيَّنَةٌ إلا وهى مُبَيِّنَةٌ، فلذلك رأيتُ القراءةَ بأيِّهما قرأ القارئ صوابًا.

القول في تأويل قوله: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾.


(١) وهى قراءة ابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر، وحجة القراءات ص ١٩٦.
(٢) وهى قراءة نافع وعاصم في رواية حفص وأبي عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي. المصدر السابق.