للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قال: وكيف يجوزُ أن يكونَ ذلك كذلك مع اختلافِ لفظَيْهما (١)؟

قيل: كما جاز أن يكونَ قولُه: ﴿لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي﴾ [الكهف: ٣٨]. أصلُه: لكنْ أنا، هو اللَّهُ ربِّي. كما قال الشاعرُ (٢):

وتَرْمِينَني (٣) بالطَّرْفِ أيْ أنتَ مُذْنِبٌ … وتَقْلِينَني لكنَّا إياك لا أقْلِي

يريدُ: لكنْ أنا إياك لا أقلي. فحذَف الهمزةَ مِن "أنا" فالْتَقَت نونُ "أنا" ونونُ "لكن" وهي ساكنةٌ، فأُدْغِمَت في نونِ "أنا" فصارتا نونًا مشددةً. فكذلك اللَّهُ، أصلُه الإلهُ، أُسْقِطَت الهمزةُ التي هي فاءُ الاسمِ، فالْتَقَت اللامُ التي هي عينُ الاسمِ واللامُ الزائدةُ التي دخَلَت مع الألفِ الزائدةِ، وهي ساكنةٌ، فأُدْغِمَت في الأُخرى التي هي عينُ الاسمِ، فصارَتا في اللفظِ لامًا واحدةً مشددةً، كما وصَفْنا مِن قولِ اللَّهِ: ﴿لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي﴾.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾.

قال أبو جعفرٍ: وأما: ﴿الرَّحْمَنِ﴾، فهو فَعْلانُ، مِن رحِم (٤)، و ﴿الرَّحِيمِ﴾، فَعيلٌ منه، والعربُ كثيرًا ما تَبْنِي الأسماءَ مِن "فعِل يَفْعَلُ" على "فَعْلانَ"، كقولِهم مِن غضِب: غَضْبانُ. ومِن سكِر: سَكْرانُ. ومِن


(١) في ص: "لفظهما".
(٢) معاني القرآن ٢/ ١٤٤، وخزانة الأدب ١١/ ٢٢٥، وقال: لم أقف على تتمته وقائله، مع أنه مشهور قلما خلا منه كتاب نحوي، واللَّه أعلم.
(٣) في ص: "تومينني".
(٤) في ص: "رحيم".