للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إحاطة السماء والأرض بعبادِ اللهِ ﴿لَآيَةً﴾. يقول: لدَلالَةٌ، ﴿لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ﴾ يقولُ: لكلِّ عبدٍ أناب إلى ربِّه بالتوبة، ورجَع إلى معرفةِ توحيده، والإقرار بربوبيته، [والاعتراف بوحدانيته] (١)، والإذعان لطاعته، على أنَّ فاعلَ ذلك لا يَمتنِعُ عليه فعلُ شيءٍ أراد فِعْلَه، ولا يتعذَّرُ عليه فعلُ شيءٍ شاءَه.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويل.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادة: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ﴾. والمنيبُ: المقبل التائب (٢).

القولُ في تأويل قوله ﷿: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (١٠) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١)﴾.

قال أبو جعفرٍ : يقول تعالى ذكره: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا﴾: ولقد أعطَينا داودَ منا، فضلًا، وقلنا للجبال: ﴿يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ﴾: سبِّحى معه إذا سبَّح. والتأويبُ عندَ العرب: الرجوعُ ومَبِيتُ الرجل في منزِلِه وأهلِه، ومنه قولُ الشاعرِ (٣):

يَوْمَانِ يَوْمُ مَقاماتٍ وأَنْدِيَةٍ … ويَوْمُ سَيْرٍ إِلى الأَعْداءِ تَأْوِيبِ

أي رجوعٍ. وقد كان بعضُهم يقرؤُه (٤): (اوبِى مَعَهُ). من آبَ يئوبُ، بمعنى: تصرَّفى معه. وتلك قراءةٌ لا أستجيزُ القراءةَ بها؛ لخلافِها قراءةَ الحُجَّةِ.


(١) سقط من: الأصل.
(٢) أخرجه عبد الرزاق في تفسيره ٢/ ١٢٦ عن معمر عن قتادة، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٥/ ٢٢٦ إلى عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٣) هو سلامة بن جندل، والبيت في المفضليات ص ١٢٠، ومجاز القرآن ٢/ ١٤٢، ولسان العرب (أ و ب).
(٤) هي قراءة الحسن البصرى وهى شاذة، بهمزة وصل وسكون الواو. ينظر إتحاف فضلاء البشر ص ٢٢٠.