للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أنه كذلك في حرفِ ابن مسعودٍ (١).

وهذا الذي ذُكِر عن ابن مسعودٍ مِن قراءتِه، يُحَقِّقُ قراءةَ مَن قرأ ذلك بإضافةِ "قَلْب" إلى "المتكبِر"؛ لأن تقديمَ "كُلّ" قبلَ "القلبِ"، وتأخيرَها بعدَه، لا يُغَيِّرُ المعنَى، بل مَعْنَى ذلك في الحالتَيْن واحدٌ. وقد حُكِى عن بعضِ العربِ سَماعًا: هو يُرَجِّلُ شعرَه يومَ كلِّ جمعةٍ. يَعْنى: كلَّ يومِ جمعةٍ. وأما أبو عمرٍو فقرَأ ذلك بتنوين "القلبِ" وتَرْكِ إضافتِه إلى "متكبرٍ"، وجعَل "المتكبرَ" و "الجبارَ" من صفةِ "القلبِ".

وأَوْلَى القراءتَيْن في ذلك عندى بالصوابِ قراءةُ مَن قرأَه بإضافةِ "القلبِ" إلى "المتكبرِ"؛ لأن التكبُّرَ فِعْلُ الفاعلِ بقلبهِ، كما أن القاتلَ إذا قتَل قتيلًا، وإن كان قَتَلَه بيدِه، فإن الفِعْلَ مضافٌ إليه، وإنما القلبُ جارِحَةٌ مِن جَوارحِ المتكبرِ، وإن كان بها التَّكَبُّرُ، فإن الفعلَ إلى فاعِلِه مضافٌ، نظيرُ الذي قُلْنا في القتلِ. وذلك وإن كان كما قُلْنا فإن الأُخْرَى غيرُ مَدْفوعةٍ؛ لأن العربَ لا تَمْتَنِعُ (٢) أن تقولَ: بَطَشَتْ يدُ فلانٍ، ورَأَتْ عَيْناهُ كذا، وفَهِم قلبُه. فتُضِيفُ الأفعالَ إلى الجوارحِ، وإن كانتْ في الحقيقةِ لأصحابِها.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (٣٦) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ (٣٧)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: وقال فرعونُ - لمَّا وعظَه المؤمنُ مِنْ آلِه بما وعظَه به، وزجَره عن قتلِ موسى نبيِّ اللهِ، وحَذَّره مِن بأسِ اللهِ على [قَتْلِهِ إِنْ قَتَلَهُ] (٣) ما حَذَّره - لوزيرِه


(١) أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن ص ١٨٣ عن الحجاج به.
(٢) في م: "تمنع".
(٣) في م: "قيله اقتله".