وهذا الكلامُ وإن كان مَخْرَجُه مَخْرَجَ الخطابِ لرسولِ اللهِ ﷺ، فالمرادُ به بعضُ أتباعِه، يدلُّ على ذلك قولُه: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.
يقولُ تعالى ذكرُه: واتقوا الله بطاعتِه فيما أمَركم ونهاكم، واحْذَروا أن يستحوذَ عليكم الشيطانُ بإعجابِكم كثرةَ الخبيثِ، فتصيروا منهم، ﴿يَاأُولِي الْأَلْبَابِ﴾. يعنى بذلك: أهلَ العقولِ والحِجَا، الذين عقَلوا عن اللهِ آيَاتِه، وعرَفوا مواقعَ حُجَجِه، ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾. يقولُ: اتقوا الله لِتُفْلحوا، أي: كي تُنْجِحوا في طَلِبَتِكم ما عندَه.
ذُكِر أن هذه الآيةَ أُنْزِلت على رسولِ اللهِ ﷺ بسببِ مسائلَ كان يسألُها إيَّاه أقوامٌ امتحانًا له أحيانًا، واستهزاءً أحيانًا، فيقولُ له بعضُهم: مَن أبِى؟ ويقولُ له بعضُهم إذا ضلَّت ناقتُه: أين ناقتى؟ فقال لهم تعالى ذكرُه: لا تسألوا عن أشياءَ من ذلك، كمسألةِ عبدِ اللهِ بن حُذَافَةَ إِيَّاه من أبوه، ﴿إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾. يقولُ: إنْ أَبْدَينا لكم حقيقةَ ما تسألون عنه ساءكم إبداؤُها وإظهارُها.
وبنحوِ الذي قلنا في ذلك تظاهرتْ الأخبارُ عن أصحابِ رسولِ اللهِ ﷺ.
(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٤/ ١٢١٦ (٦٨٧٠) من طريق أحمد بن مفضل به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ٣٣٤ إلى أبى الشيخ.