وفي هذا أوضحُ البيانِ على تكذيبِ اللهِ الزاعِمِين أن اللهَ فوَّض الأمورَ إلى خلقِه في أعمالِهم، فلا صُنعَ له في أفعالِهم، وأنه قد سوَّى بينَ جميعِهم في الأسبابِ التي بها يَصِلون إلى الطاعةِ والمعصيةِ؛ لأن ذلك لو كان كما قالوا، لكان قد زيَّن لأنبيائِه وأوليائِه مِن الضلالةِ والكفرِ نظيرَ ما زيَّن مِن ذلك لأعدائِه وأهلِ الكفرِ به، وزيَّن لأهلِ الكفرِ به مِن الإيمانِ به نظيرَ الذي زيَّن منه لأنبيائِه وأوليائه. وفي إخبارِه جلَّ ثناؤُه أنه زيَّن لكلِّ عاملٍ منهم عملَه، ما يُنْبِئُ عن تَزْيينِ (١) الكفرِ والفسوقِ والعصيانِ، وخصَّ أعداءَه وأهلَ الكفرِ بتَزْيينِ الكفرِ لهم والفسوقِ والعصيانِ، وكرَّه إليهم الإيمانَ به والطاعةَ.
يقولُ جلَّ ثناؤُه: وكما زيَّنا للكافرين ما كانوا يَعْمَلون، كذلك جعَلْنا بكلِّ قريةٍ عُظماءَها مُجرميها، يعني أهلَ الشركِ باللهِ والمعصيةِ له، ﴿لِيَمْكُرُوا فِيهَا﴾ بغُرورٍ من القولِ، أو بباطلٍ مِن الفعلِ، بدينِ اللهِ وأنبيائِه، ﴿وَمَا يَمْكُرُونَ﴾. أيْ: ما يَحِيقُ مكرُهم ذلك إلا بأنفسِهم؛ لأن اللهَ تعالى ذكرُه مِن وراءِ عقوبتِهم على صدِّهم عن سبيلِه، وهم لا ﴿يَشْعُرُونَ﴾. يقولُ: لا يَدْرُون ما قد أعَدَّ اللهُ لهم مِن أليمِ عذابهِ، فهم في غَيِّهم وعُتُوِّهم على اللهِ يَتَمادَوْن. وبنحوِ ما قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابنِ أبي