للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكآبةِ والحزنِ، بانْصِرافِهم عن مكةَ قبلَ دُخولِهمُوها، وقبلَ طوافِهم بالبيتِ.

وقولُه: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: محمدٌ رسولُ اللَّهِ، وأتباعُه مِن أصحابِه الذين هم معه على دينِه، أشداءُ على الكفارِ، غليظةٌ عليهم قلوبُهم، قليلةٌ بهم رحمتُهم، ﴿رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾. يقولُ: رقيقةٌ قلوبُ بعضُهم لبعضٍ، ليِّنةٌ أنفسهم لهم، هيِّنةٌ عليهم لَهم.

كما حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ: ﴿تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا﴾: ألْقَى اللَّهُ في قلوبهم الرحمةَ، بعضُهم لبعضٍ (١).

﴿تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا﴾. يقولُ: تراهم رُكَّعًا أحيانًا للهِ في صلاتِهم، سُجَّدًا أحيانًا، ﴿يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ﴾. يقولُ: يلتمسون بركوعِهم وسُجودهم وشدَّتِهم على الكفارِ، ورحمةِ بعضُهم بعضًا، ﴿فَضْلًا مِنَ اللَّهِ﴾، وذلك رحمتُه إيَّاهم، بأن يتفضَّلَ عليهم فيُدخلَهم جنَّتَه، ﴿وَرِضْوَانًا﴾. يقولُ: وأن يرضَى عنهم ربُّهم.

وقولُه: ﴿سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾. يقولُ: علامتُهم في وجوهِهم من أثرِ السُّجودِ في صلاتِهم.

ثم اختَلَف أهلُ التأويلِ في "السِّيما" الذي عَنَاهِ اللَّهُ في هذا الموضعِ؛ فقال بعضُهم: ذلك علامةٌ يجعَلُها اللهُ في وجوهِ المؤمنين يومَ القيامةِ، يُعْرَفون بها؛ لِمَا كان من سجودِهم له في الدُّنيا.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني محمدُ بنُ سعد، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن


(١) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٦/ ٨٣ إلى المصنف وعبد بن حميد