للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كذلك، فهو في موضِعِ خفضٍ ردًّا على "الوادِي".

القولُ في تأويلِ قوله جلَّ ثناؤه: ﴿وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (١٣) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (١٤)﴾.

اختلَفتِ القرأةُ في قراءةِ ذلك؛ فقرَأتْه عامَّةُ القرأةِ الذين قرءوا: (وأنَّا) بتشديدِ النونِ، (وأَنَّا) بفتحِ الألفِ من (أَنَّا) ردًّا على ﴿نُودِيَ يَامُوسَى﴾ كأَن معنى الكلامِ عندَهم: نُودِيَ يا موسى إنِّي أنا ربُّك، وأنّا اخترناك (١). وبهذه القراءةِ قرَأ ذلك عامَّة قرأةِ أهلِ الكوفةِ (٢).

وأما عامةُ قرأةِ أهلِ المدينةِ والبصرةِ وبعضُ أهلِ الكوفةِ فقَرَءوا: ﴿وَأَنَا اخْتَرْتُكَ﴾. بتخفيف النونِ (٣) على وجهِ الخبرِ من اللهِ عن نفسِه أَنَّه اخْتارَه.

والصوابُ من القولِ في ذلك عندِى أن يُقالَ: إنهما قراءتان قد قرأ بكلِّ واحدةٍ منهما قرأةُ أهلِ العلمِ بالقرآنِ، مع اتِّفاقِ مَعْنَيْيهما، فبأيَّتِهما قرَأ القارئُ فمصيبٌ الصوابَ فيه. وتأويلُ الكلامِ: ونُودِيَ أَنَّا اخْتَرناكَ فَاجْتَبَيناك لرِسالَتِنا إلى مَن نُرَسلُك إليه.

﴿فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى﴾. يقولُ: فاسْتَمِعْ لوَحْيِنا الذي نوحِيه إليك وعِه، واعملْ بهِ. ﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ﴾. يقولُ تعالى ذِكرُه: إننى أنا المعبودُ الذي لا تصلُحُ العِبادةُ إلَّا له، ﴿إِلَّا إِلَهَ إِلَّا أَنَا﴾ فلا تعبُدْ غيرِى، فإنَّه لا معبودَ تجوزُ أو تصلُحُ له العبادةُ سِوَايَ، ﴿فَاعْبُدْنِي﴾. يقولُ: فأخْلِصِ العبادةَ لى دونَ كلِّ ما عُبِد مِن دُونِي.


(١) في الأصل، ص، ت ١، م، ف: "اخترتك".
(٢) هي قراءة حمزة، وقرأ أيضًا: (اخترناك). ينظر السبعة لابن مجاهد ص ٤١٧.
(٣) هي قراءة نافع وابن كثير وعاصم وأبي عمرو وابن عامر والكسائي. ينظر المصدر السابق.