للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفسيُر سورةِ "والليلِ إذا يغشَى"

القولُ في تأويلِ قولِه ﷿: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (١) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (٢) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (٣) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (٤) فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (١٠)

قال أبو جعفرٍ : يقولُ تعالى ذكرُه مُقسِمًا بالليلِ إذا غشَّى النهارَ ظُلْمتُه فأذهَب ضوءَه وجاءت ظُلمتُه: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى﴾ النهارَ،

﴿وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى﴾. وهذا أيضًا قسمٌ؛ أقسَم بالنهارِ إذا هو أضاء فأنار، وظهَر للأبصارِ ما كانت ظلمةُ الليلِ قد حالت بينَها وبينَ رؤيتِه وإتيانِه إياه (١) عِيانًا. وكان قتادةُ يذهبُ فيما أقسَم اللهُ به من الأشياءِ أنه إنما أقسَم به لعِظَمِ شأنِه عندَه.

كما حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (١) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى﴾. قال: آيتان عظيمتان يكرِّرُهما (٢) اللهُ على الخلائقِ (٣).

وقولُه: ﴿وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى﴾. مُحْتَمِلٌ الوجهَين اللذَين وصفتُ في قولِه: ﴿وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (٥) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا﴾ [الشمس: ٥، ٦]. وهو أن تُجعلَ "ما" بمعنى "مَنْ"، فيكونُ ذلك قسمًا من اللهِ جلَّ ثناؤُه بخالقِ الذكرِ


(١) في م، ت ١: "إياها".
(٢) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "يكورهما".
(٣) ذكره الطوسى في التبيان ١٠/ ٣٦٣.