للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إعادته في هذا الموضعِ (١).

ثم اختَلَف أهلُ التأويل في المَعْنَى الذي عَناه الله بهذه الآية، وما النَّفْرُ الذي كَرِهَه لجميعِ المؤمنين؟ فقال بعضُهم: هو نَفْرٌ كان من قوم كانوا بالبادية، بعثهم رسول الله لا يُعَلِّمون الناسَ الإسلام، فلما نَزَلَ قولُه: ﴿مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ﴾. انْصَرَفوا عن البادية إلى النبيِّ ، خشية أن يَكونوا ممن تَخَلَّفَ عنه وممن عُنِىَ بالآية، فأَنزَل الله في ذلك عُذْرَهم بقوله: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً﴾. وكَرِهَ انصراف جميعهم (٢) من البادية إلى المدينة.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ﴾. قال: ناسٌ من أصحاب محمدٍ خرَجوا في البَوادي، فأصابوا من الناس معروفًا، ومن الخِصْب ما يَنْتَفِعون به، ودعَوا مَن وجَدوا من الناس إلى الهُدى، فقال الناسُ لهم: ما نَراكم إلا قد ترَكْتُم أصحابَكم وجئْتُمونا، فوجَدوا في أنفسهم من ذلك تحرُّجًا (٣)، وأقْبَلوا من البادية كلُّهم حتى دخلوا على النبيِّ ، فقال اللهُ: ﴿فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ﴾ يَبْتَغون الخيرَ، ﴿لِيَتَفَقَّهُوا﴾ وليَسْمَعوا ما في الناسِ، وما أنزَل الله بعدَهم ﴿وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ﴾ الناس كلَّهم ﴿إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾.


(١) تقدم في ٣/ ٦٠١، ٦٠٢.
(٢) في ص، ت ١، ت ٢، س، ف: "جمعهم".
(٣) في م، ت ١، ت ٢، س، ف: "حرجا".