للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (٣١)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: وهؤلاء الذين كذَّبوا بلقاءِ اللَّهِ يَحْمِلُون أوزارَهم على ظُهورِهم. وقوله: ﴿وَهُمْ﴾. مِن ذكرِهم، ﴿يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ﴾. يقولُ: آثَامُهم وذنوبُهم. واحدُها وِزْرٌ، يقالُ منه: قد وَزَر الرجلُ يَزِرُ. إذا أَثِم، [قال اللهُ: ﴿أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾ (١). فإن أُرِيد أنهم أُثِّموا، قيل: قد وُزِر القوم، فهم يُوزَرُون، وهم مَوْزُورون.

وقد زعَم بعضُهم أن الوِزْرَ الثِّقلُ والحِمْلُ. ولستُ أَعْرِفُ ذلك كذلك في شاهدٍ، ولا مِن رواية ثقة عن العربِ.

وقال تعالى ذكرُه: ﴿عَلَى ظُهُورِهِمْ﴾. لأن الحِمْلَ قد يكونُ على الرأسِ والمَنْكبِ وغيرِ ذلك، فبيَّن موضعَ حَمْلِهم ما يَحْمِلون مِن ذلك، وذكر أن حَمْلَهم أوزارَهم يومَئذٍ على ظهورِهم، نحوَ الذي حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا الحكمُ بنُ بَشيرٍ بن سَلْمَانَ (٢)، قال: ثنا عمرُو بنُ قيسٍ المُلَائيُّ، قال: إن المؤمنَ إذا خرجَ مِن قبرِه اسْتقبله (٣) أحسنُ صورةٍ، وأطيبُه ريحًا، فيقولُ له: هل تَعْرِفُني؟ فيقولُ: لا، إلا أن الله قدَ طيَّب ريحَك، وحسَّن صورتَك. فيقولُ: كذلك كنتَ في الدنيا، أنا عملُك الصالحُ، طالما ركِبْتُك في الدنيا، فارْكَبْني أنت اليومَ. وتلا: ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا﴾ [مريم: ٨٥]. وإن الكافرَ يَسْتَقْبِلُه أقبح شيءٍ صورةً، وأنْتَنُه ريحًا، فيقولُ: هل تَعْرِفُنى؟ فيقولُ: لا، إلا أن الله قد قَبَّح صورتَك، وأَنْتَنَ


(١) سقط من: م.
(٢) في م: "سليمان". وينظر تهذيب الكمال ٧/ ٨٩.
(٣) بعده في م، والدر المنثور ٣/ ٩: "عمله في"، وفى حاشية س: "لعله: عمله في "والمثبت من باقي النسخ، وهو موافق لما سيأتي في ١٥/ ٦٣٠، وفي المطبوعة هناك كما في النسخ هنا.