للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نذيرٌ مبينٌ. فـ ﴿أَنَّمَا﴾، على هذا التأويلِ، في موضعِ خفضٍ، على قولِ مَن كان يرى أن مثلَ هذا الحرفِ الذي ذَكرْنا (١) لا بدَّ له من حرفٍ خافضٍ، فسواءٌ إسقاطُ خافضِه منه وإثباتُه. وأما على قولِ مَن رأى أن مثلَ هذا يُنْصَبُ إذا أُسْقِط منه الخَافضُ، فإنه على مذهبِه نَصْبٌ، وقد بيَّنا ذلك فيما مضَى، بما أغنَى عن إعادتِه في هذا الموضِعِ (٢).

وقد يتجِهُ لهذا الكلامِ وجهٌ آخرُ، وهو أن يكونَ معناه: ما يوحِى الله إليَّ (٣) إلا إنذارَكم. وإذا وُجِّه الكلامُ إلى هذا المعنى، كانت ﴿أَنَّمَا﴾ في موضعِ رفعٍ؛ لأن الكلامَ يصيرُ حينئذٍ بمعنى: ما يُوحَى إليَّ إلا الإنذارُ.

وقولُه: ﴿إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾. يقولُ: إلا أني نذيرٌ لكم، مُبِينٌ لكم إنذارَه إياكم. وقيل: ﴿إِلَّا أَنَّمَا أَنَا﴾. ولم يُقَلْ: إلا أنما أنك. والخبرُ مِن محمدٍ عن الله؛ لأن الوحىَ قولٌ، فصار في معنى الحكايةِ، كما يُقالُ في الكلامِ: أخبَروني أني مسئٌ. و: أخبَرونى أنك مسئٌ. بمعنًى واحدٍ، كما قال الشاعرُ (٤):

رَجْلَانِ مِن ضَبَّةَ أَخْبَرَانا

إِنَّا رأيْنا رَجُلًا عُرْيانا

بمعنى: أخبَرانا أنهما رأيا. وجاز ذلك لأن الخبرَ أصلُه حكايةٌ.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ


(١) بعده في ص، ت ١: "الذي".
(٢) ينظر ما تقدم في ١/ ١٦٩، ١٧٠.
(٣) سقط من: م.
(٤) البيت في معاني القرآن للفراء ٢/ ٤١٢، ٣/ ٢٤٠، والمحتسب لابن جنى ١/ ١٠٩، ٢٥٠، والخصائص ٢/ ٣٣٨، وخزانة الأدب للبغدادي ٩/ ١٨٣، غير منسوب.