للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فنُصِب، يفتخِرُ عليه الجاهلُ بأنه خُلِق مِن نارٍ، وخُلِق آدمُ من طينٍ.

كما حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا يعقوبُ، عن جعفرٍ، عن سعيدِ بن جُبيرٍ، عن ابن عباسٍ، قال: بعَث ربُّ العِزَّةِ إبليسَ، فأَخَذ مِن أدِيمِ الأرضِ؛ مِن عَذْبها ومِلْحِها، فخُلِق منه آدمُ، فكلُّ شيءٍ خُلِق من عذبِها، فهو صائِرٌ إلى السعادةِ وإن كان ابنَ كافرين، وكلُّ شيءٍ خَلَقه مِن مِلحِها، فهو صائرٌ إلى الشَّقاوةِ وإن كان ابنَ نبييِّن، ومن ثَمَّ قال إبليسُ: ﴿أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا﴾. أي هذه الطينةُ أنا جِئتُ بها، ومِن ثَمَّ سُمِّي آدمَ؛ لأنه خُلِق مِن أديمِ الأَرضِ.

وقولُه: ﴿أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: أرأيتَ هذا الذي كَرَّمْتَه عليَّ، فأَمَرْتَنى بالسجودِ له، ويَعْنى بذلك آدمَ، ﴿لَئِنْ أَخَّرْتَنِ﴾. أقْسَم عدوُّ اللهِ، فقال لربِّه: لئن أخَّرتَ إهْلاكى إلى يومِ القيامةِ، ﴿لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا﴾. يقولُ: لأَستوليَنَّ عليهم، ولأَستأصِلَنَّهم، ولأَستميلَنَّهم. يقالُ منه: احْتَنك فلانٌ ما عندَ فلانٍ مِن مالٍ أو عِلمٍ أو غيرِ ذلك. ومنه قولُ الشاعرِ (١):

نَشْكُو إليكَ سَنَةً قد أَجْحَفَتْ … جَهْدًا إلى جَهْدٍ بنا فَأَضْعَفَتْ

واحْتَنَكَتْ أموالَنا وجَلَّفَتْ (٢)

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، وحدَّثني


(١) الأبيات في مجاز القرآن ١/ ٣٨٤، والتبيان ٦/ ٤٩٧، غير منسوبة فيهما.
(٢) المُجَلَّف: الذي أتى عليه الدهر فأذْهَبَ ماله، وقد جَلَّفه واجْتَلَفَه. اللسان (ج ل ف).