للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خبرٌ - كان غيرَ جائزٍ أن يُقْضَى عليها بأنها منسوخةٌ، حتى تقومَ حُجَّةٌ مُوجِبةً صحةَ القولِ بذلك؛ لما قد بَيَّنَّا مِن أن المنسوخَ هو ما لم يَجُزِ اجتماعُه وناسخُه في حالٍ واحدةٍ، في كتابِنا "كتاب اللطيفِ عن أصولِ الأحكامِ".

وأما قولُه: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ﴾. فإنه يقولُ: أنا الذي إليَّ أمرُ هؤلاء المشركين الذين فارَقوا ديَنهم وكانوا شِيَعًا، والمبتدعةِ مِن أمِتك الذين ضلُّوا عن سبيِلك دونَك، ودونَ كلّ أحدٍ؛ إما بالعقوبةِ إن أقاموا على ضّلالِتهم وفِراقِهم (١) دينَهم، فأُهْلِكُهم بها، وإما بالعفوِ عنهم بالتوبةِ عليهم والتَّفضُّلِ منى عليهم، ﴿ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾. يقولُ: ثم أُخْبِرُهم في الآخرةِ عندَ ورودِهم عليَّ يوم (٢) القيامةِ بما كانوا يَفْعَلون، فأُجازِى كلًّا منهم بما كانوا في الدنيا يّفْعَلون، المحسن منهم بالإحسانِ، والمسيءَ بالإساءةِ. ثم أَخْبَر جلَّ ثناؤُه ما مَبْلَغُ جزائِه مَن جازَى منهم بالإحسانِ أو بالإساءةِ، فقال: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾.

القولُ في تأويلِ قوله: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (١٦٠)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: مَن وافَى ربّه يومَ القيامةِ في موقفِ الحسابِ، مِن هؤلاء الذين فارَقوا دينَهم وكانوا شِيَعًا، بالتوبةِ والإيمانِ، والإقلاعِ عما هو عليه مقيمٌ من ضلالتِه، وذلك هو الحسنةُ التي ذكَرها الله فقال: مَن جاء بها فله عَشْرُ أمثالها.

ويعنى بقوله: ﴿فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا﴾: فله عشْرُ حسَناتٍ أمثالِ حسنتِه التي جاء بها، ﴿وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ﴾. يقولُ: ومَن وافَى يومَ القيامةِ منهم بفراقِ الدِّين


(١) في م: "فرقتهم"، وفى، ت ١، ت ٢، س، ف: "فرقوا".
(٢) سقط من: ص، ت ١، س، ف.