للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كسائرِ ما قد ذكرْنا فيما مضَى من نظائرِه (١).

وإنما قلنا ذلك معْناه؛ لأن محنةَ اللهِ أصحابَ رسولِه في القبلةِ إنما كانت -فيما تظاهَرَت به الأخبارُ- عند التحويلِ من بيتِ المقدسِ إلى الكعبةِ، حتى ارتدَّ -فيما ذُكر- رجالٌ ممن كان قد أسلَم واتَّبعَ رسولَ اللهِ ، وأظهَر (٢) كثيرٌ من المنافقين من أجلِ ذلك نفاقَهم، وقالوا: ما بالُ محمدٍ يحوِّلُنا مرَّةً إلى ههنا، ومرَّةً إلى ههنا. ومرَّةً إلى ههنا. وقال المسلمون [في أنفسِهم وفي من] (٣) مضَى من إخوانِهم المسلمين، وهم يصلُّون نحوَ بيتِ المقدسِ: بطَلَتْ أعمالُنا وأعمالُهم وضاعتْ. وقال المشرِكون: تحيّرَ محمدٌ في دينِه. فكان ذلك فتنةً للناسِ وتمحيصًا للمؤمنين، فلذلك قال جل ثناؤُه: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾ بمعْنى (٤): وما جعلْنا صرْفَك عن القبلةِ التى كنتَ عليها. وتحويلَك إلى غيرِها. كما قال جل ثناؤُه: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ﴾ [الإسراء: ٦٠] بمعنى: وما جعلْنا خبرَك عن الرُّؤْيا التى أرَيناك. وذلك أنه لو لم يكنْ أخبرَ القومَ بما كان أُرِىَ ، لم يكنْ فيه على أحد فتنةٌ. وكذلك القبلةُ الأُولى التى كانت نحوَ بيتِ المقدسِ لو لم يكنْ صرفٌ عنها إلى الكعبةِ، لم يكنْ فيها على أحدٍ فِتْنةٌ ولا محنةٌ.

ذِكرُ الأخبارِ التى رُوِيت في ذلك بمعْنى ما قلنا

حدَّثنا بشرُ بنُ معاذٍ، قال: حدَّثنا يزيدُ بنُ زُرَيْعٍ، عن سعيدٍ، عن قتادةَ، قال:


(١) ينظر ما تقدم في ١/ ١٣٩ - ١٤١، ١٧٨ - ١٨٠.
(٢) في الأصل: "أصر".
(٣) في م: "فيما".
(٤) في م: "أى".