للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كانت القبلةُ فيها بلاءٌ وتَمْحيصٌ، صلَّتِ الأنصارُ نحوَ بيتِ المقدسِ حولَيْن قبل قدومِ نبيِّ اللهِ المدينةَ (١)، وصلَّى نبيُّ اللهِ بعد قُدومِه المدينةَ مهاجرًا نحوَ بيتِ المقدسِ ستةَ (٢) عَشرَ شهرًا، ثم وَجَّهه اللهُ بعدَ ذلك إلى الكعبةِ البيتِ الحرامِ، فقال في ذلك قائلُون من الناسِ: ﴿مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا﴾؟ لقد اشتاقَ الرجلُ إلى مولدِه! قال اللهُ: ﴿قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾. فقال أناسٌ لمّا صُرِفت القبلةُ نحوَ البيتِ الحرامِ: كيف بأعمالِنا التى كنا نعمَلُ في قبلتِنا الأُولَى؟ فأنزلَ اللهُ جل ثناؤُه: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾، وقد يَبْتلى اللهُ العبادَ بما شاء من أمرِه، الأمرَ بعدَ الأمرِ؛ ليعلمَ من يُطيعُه ممن يَعصِيه، وكلُّ ذلك مقبولٌ إذا كان في إيمانٍ باللهِ، وإخلاصٍ له، وتَسليمٍ لقضائِه (٣).

حدَّثنى موسى، قال: حدَّثنا عمرٌو، قال: حدَّثنا أسباطُ، عن السُّدِّىِّ، قال: كان النبيُّ يصلِّى قِبَلَ بيتِ المقدس، فنَسَختها الكعبةُ، فلمّا تَوجَّه قِبلَ المسجدِ الحرامِ، اختلفَ الناسُ فيها فكانوا أصنافًا؛ فقال المنافقون: ما بالُهم كانوا على قبلةٍ زمانًا، ثم ترَكوها وتوجَّهُوا (٤) غيرَها؟ وقال المسلمون: ليت شِعْرَنا عن إخوانِنا الذين ماتوا وهم يصلُّون قِبلَ بيتِ المقدسِ، هل تَقبَّل اللهُ منّا ومنهم أم لا؟ وقالت اليهودُ: إن محمدًا اشتاقَ إلى بلد أبيه ومولدِه، ولو ثبَت على قبلتِنا، لكنا نرجُو أن يكونَ هو صاحبَنا الذي ننتظِرُ. وقال المشرِكون من أهلِ مكةَ: تحيّرَ [محمدٌ على] (٥) دينِه،


(١) سقط من: م.
(٢) في م: "سبعة".
(٣) عزاه السيوطي في الدر المنثور ١/ ١٤٣ إلى عبد بن حميد وابن المنذر، وتقدم أوله في ص ٦٢٤، ٦٢٥.
(٤) بعده في م: "إلى".
(٥) في م: "على محمد".