للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أصحابه: ﴿تَذُودَانِ﴾. قال: تذودانِ الناس عن غنمِهما (١).

وأولى التأويلين في ذلك بالصواب قولُ مَن قال: معناه: تَحبِسان غَنمَهما عن الناس حتى يَفْرُغُوا مِن سَقْي مواشيهم.

وإنما قلنا: ذلك أولى بالصواب؛ لدّلالة قوله: ﴿مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ﴾ له على أن ذلك كذلك، وذلك أنَّهما إنَّما شكنا أنهما لا تشقيان حتى يُصْدِرَ الرعاءُ؛ إذ سألَهما موسى عن ذَوْدِهما غنمهما، ولو كانتا تذودان عن غَنَمِهما الناسَ، كان لا شَكَّ أنهما كانتا تُخبران عن سبب ذَوْدِهما عنها (٢) الناس، لا عن سبب تأخُّر سقيهما إلى أن يُصدر الرعاءُ.

وقوله: ﴿قَالَ مَا خَطْبُكُمَا﴾. يقول تعالى ذكرُه: قال موسى للمرأتين: ما شأنُكما وأمْرُكما، تذودان ماشيتكما عن الناسِ؟ هلّا تَسْقُونها مع مواشى الناسِ؟ والعرب تقول للرجل: ما خَطْبُك؟ بمعنى: ما أمْرُك وحالك؟ كما قال الراجز (٣):

يا عَجَبًا ما خَطْبُه وخَطْبي

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا العباسُ، قال: ثنا يزيد، قال: أخبرنا الأصبغُ، قال: أخبرنا القاسمُ، قال: ثني سعيدُ بنُ جُبَيرٍ، عن ابن عباسٍ، قال: قال لهما: ما خَطْبُكما مُعْتَزِلَتين لا


(١) أخرجه عبد الرزاق في تفسيره ٢/ ٩٠ عن معمر، عن الكلبي.
(٢) في ص، ت ١، ت ٢: "عنهما".
(٣) هو رؤبة، والرجز في ديوانه (مجموع أشعار العرب) ص ١٦.