بها له، حتى يَهْتَدِى للحقِّ فيَنْقادَ له، ويُنيب إلى الرَّشادِ، فَيُذْعِنَ به، ويُؤْثِرَه على الضلالِ والكفرِ باللهِ. وذلك أنه تعالى ذكرُه أخْبَر أنه لو شاء هدايةَ جميعِ مِن كفَر به حتى يَجْتَمِعوا على الهُدَى، فعل، ولا شكَّ أنه لو فعَل ذلك كانوا مُهْتَدِين لا ضُلَّالًا، وهم لو كانوا مُهْتَدِين كان لا شكَّ أن كونَهم مهتدِين كان خيرًا لهم. وفي تركِه تعالى ذكرُه أن يَجْمَعَهم على الهدَى، تركٌ منه أن يَفْعَلَ بهم في دينهم بعضَ ما هو خيرٌ لهم فيه، مما هو قادرٌ على فعلِه بهم، وقد تَرك فعلَه بهم. وفى تركِه فعلَ ذلك بهم أوضحُ الدليل أنه لم يُعْطِهم كلَّ الأسبابِ التي بها يَصِلون إلى الهدايِة، ويَتَسَبَّبون بها إلى الإيمانِ.
يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ ﷺ: لا يَكْثرَنَّ عليك إعراضُ هؤلاء المعْرِضِين عنك، وعن الاستجابةِ لدعائِك، إذا دعَوتَهم إلى توحيدِ ربِّهم، والإقرارِ بنبوتِك، فإنه لا يَسْتَجِيبُ لدعائِك إلى ما تَدْعُوه إليه مِن ذلك، إلا الذين فتَح اللهُ أسماعَهم للإصغاءِ إلى الحقِّ، وسهَّل لهم اتباعَ الرُّشْدِ، دونَ مَن ختَم اللَّهُ على سمعِه، فلا يَفْقَهُ مِن دعائِك إياه إلى اللهِ، وإلى اتباعِ الحقِّ، إلا ما تَفْقَهُ الأنعامُ مِن أصواتِ رُعاتِها، فهم كما وصَفَهم الله به تعالى ذكرُه: ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: ١٧١].
﴿وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ﴾ يقولُ: والكفارُ يَبْعَثُهم اللهُ مع الموتى. فجعَلَهم تعالى ذكرُه في عِدادِ الموتى الذين لا يَسْمَعون صوتًا، ولا يَعْقِلُون دعاءً، ولا يَفْقَهُون قولًا، إذ كانوا لا يَتَدبَّرون حُجَجَ الله، ولا يَعْتَبِرون آياتِه، ولا يُتَذَكَّرون فيَنْزَجِروا عما هم عليه مِن تكذيبِ رسلِ اللَّهِ وخلافِهم.