للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وليس لقولِ القائلِ: عَنَى بقولِه: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ كعبَ بنَ الأشرفِ. معنًى مفهومٌ؛ لأن كعبَ بنَ الأشرفِ واحدٌ، وقد أخبرَ اللهُ جلّ ثناؤُه أن كثيرًا منهم يَوَدُّون لو يَرُدُّون المؤمنين كفارًا بعد إيمانِهم، والواحدُ لا يقالُ له: كثيرٌ. بمعنى الكثرةِ فى العددِ، إلا أن يكونَ قائلُ ذلك أرادَ توجيهَ (١) الكثرةِ التى وصَف اللهُ بها مَن وصَفه بها فى هذه الآيةِ، الكثرةَ فى العزِّ ورفعةِ المنزلةِ فى قومِه وعشيرتِه، كما يقالُ: فلانٌ فى الناسِ كثيرٌ. يرادُ به كثرةُ المنزلةِ والقدْرِ. فإن كان أراد ذلك فقد أخطأَ؛ لأن اللهَ جل ثناؤُه قد وصَفَهم بصفةِ الجماعةِ، فقال: ﴿لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا﴾. فذلك دليلٌ على أنه عَنَى به (٢) الكثرةَ فى العددِ. أو يكونَ ظَنَّ أنه من الكلامِ الذى يَخْرُجُ مَخْرَجَ الخبرِ عن الجماعةِ، والمقصودُ بالحبرِ عنه الواحدُ، نظيرَ ما قلْنا آنفًا فى بيتِ جَميلٍ، فيكونُ ذلك أيضًا خطأً. وذلك أن الكلامَ إذا كان بذلك المعنى فلابدَّ من دَلالةٍ فيه تدلُّ على أن ذلك معناه، ولا دلالةَ تدلُّ فى قولِه: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ أن المرادَ به واحدٌ دونَ جماعةٍ كثيرةٍ، فيجوزَ صرفُ تأويلِ الآيةِ إلى ذلك، وإحالةُ دليلِ ظاهرِها (٣) إلى غيرِ الغالبِ فى الاستعمالِ.

القولُ فى تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: ﴿حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ﴾.

يعنى جلّ ذكرُه بقولِه: ﴿حَسَدًا﴾. أن كثيرًا من أهلِ الكتابِ يَوَدُّون للمؤمِنين ما أخبَر جل ثناؤُه عنهم أنهم يَوَدُّونه لهم، من الرِّدَّةِ عن إيمانِهم إلى الكفرِ، حسَدًا منهم وبَغْيًا عليهم. فالحسَد إذن منصوبٌ على غيرِ النعتِ للكفارِ، ولكن على


(١) فى م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "بوجه".
(٢) سقط من: م.
(٣) فى م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "ظاهره".