للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤه وتقدست أسماؤه: ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (٢٥)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: لقد نَصَركم اللهُ، أيُّها المؤمنون، في أماكنِ حربٍ تُوَطِّنون (١) فيها أنفسَكم على لقاءِ عدوِّكم، ومشاهدَ تَلْتَقون فيها أنتم وهم كثيرةٍ، ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ﴾. يقولُ: وفى يومِ حُنَينٍ أيضًا قد نَصَرَكم. وحُنَينٌ وادٍ، فيما ذُكِر، بينَ مكةَ والطائفِ. وأُجْرِىَ؛ لأنه مذكرٌ، اسمٌ لمذكرٍ. وقد يُتْرَكُ إجراؤُه، ويرادُ به أن يُجعَلَ اسمًا للبلدةِ التي هو بها، ومنه قولُ الشاعرِ (٢):

نَصَرُوا نَبِيَّهِمُ وشَدُّوا أَزْرَه … بحُنَينَ يومَ تَوَاكُلِ الأبْطالِ

حدَّثني عبدُ الوارثِ بن عبدِ الصمدِ، قال: ثنى أبي، قال: ثنا أبانٌ العَطَّارُ، قال: ثنا هشام بنُ عُروةً، عن عُرُوةَ، قال: حنينٌ وادٍ إلى جنبِ ذى المَجازِ (٣).

﴿إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ﴾ وكانوا ذلك اليومَ، فيما ذُكِر لنا، اثْنَى عشَرَ ألفًا.

ورُوِى أن النبيَّ قال ذلك اليومَ: "لن نُغْلَبَ مِن قِلَّةٍ" (٤). وقيل: قال ذلك رجلٌ مِن المسلمين مِن أصحابِ رسولِ اللهِ (٥). وهو قولُ اللهِ: ﴿إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ


(١) في ص، ت ١، ت ٢، س، ف: "تستوطنون".
(٢) البيت لحسان بن ثابت، وهو في ديوانه ص ٣٩٣. وينظر معاني القرآن ١/ ٤٢٩.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٦/ ١٧٧٣ من طريق عبد الصمد به.
(٤) سيرة ابن هشام ٢/ ٤٤٤.
(٥) أخرجه البزار (١٨٢٧ - كشف) من حديث أنس، وينظر دلائل النبوة للبيهقى ٥/ ١٢٣.