للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾. يعنى: إنه بهم لذو رأفةٍ (١) ورحمةٍ، فمن رأفتِه بهم ورحمتِه لهم أمسك السماءَ أن تقعَ على الأرضِ إلا بإذنِه، وسخَّر لكم ما وصَف في هذه الآيةِ تَفَضُّلًا منه عليكم بذلك.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ (٦٦) لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ (٦٧)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: واللهُ الذى أنعمَ عليكم هذه النعمَ، هو الذى جعَلكم (٢) أجسامًا أحياءً بحياةٍ أحدَثها فيكم، ولم تكونوا شيئًا، ثم هو يميتُكم من بعدِ حياتِكم، فيُفنيكم عندَ مجيء آجالِكم، ثم يُحييكم بعدَ مماتِكم عندَ بعثِكم لقيامِ الساعةِ، ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ﴾. يقولُ: إن ابنَ آدمَ لجَحودً لنعمِ اللهِ التي أنعمَ بها عليه؛ من حُسنِ خلْقِه إياه، وتسخيرِه له ما سخَّر مما في الأرضِ والبرِّ والبحرِ، وتركِه إهلاكِه بإمساكِه السماءَ أن تقعَ على الأرضِ - بعبادتِه غيرَه من الآلهةِ والأندادِ، وتركِه إفرادَه بالعبادةِ وإخلاصِ التوحيدِ له.

وقولُه: ﴿لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا﴾. يقولُ: لكلِّ جماعةٍ؛ قومِ [نبيٍّ خلا] (٣) من قبلِك، جعَلنا مألَفًا يألَفونه، ومكانًا يعتادونه لعبادتى (٤) فيه وقضاءِ فرائضى، وعملًا يَلزَمونه.

وأصلُ المنسكِ فى كلامِ العربِ الموضعُ المعتادُ الذي يعتادُه الرجلُ ويألفُه


(١) في ص، ت ١، ت ٢: "رقة".
(٢) في م: "جعل لكم"
(٣) فى م: "هي خلت".
(٤) في ص، ت ٢، ف: "لعبادته".