ولدًا؛ لأنه ليس كالخلقِ الذين تغْلِبُهم الشَّهواتُ، وتضطرُّهم اللَّذَّاتُ إلى جماعِ الإناثِ، ولا ولدَ يَحدُثُ إِلَّا مِن أُنْثَى، واللهُ يتَعالى عن أن يكونَ كخَلْقِه. وذلك كقولِ ابن أحمرَ (١):
في رأسِ خَلْقاءَ مِن عَنْفَاءَ مُشْرِفَةٍ … ما ينبغى دُونَها سَهْلٌ ولا جَبَلٌ
يعنى: لا يصْلُحُ ولا يكُونُ.
﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (٩٣)﴾ يقولُ جَلَّ وعزَّ: ما جميعُ مَن في السماواتِ من الملائكةِ، وفى الأرضِ من البشرِ والإنسِ والجِنِّ ﴿إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا﴾. يقولُ: إلا يأتى ربَّه يومَ القيامةِ عبدًا له، ذليلًا خاضِعًا مُقِرًّا له بالعُبُودَة، لا نَسبَ بينه وبينَه. وقولُه: ﴿آتِي الرَّحْمَنِ﴾ إِنما هو فاعلٌ مِن أتيتُه، فأنا آتِيه.
يقولُ تعالى ذكرُه: لقد أحصَى الرحمنُ خلقَه كلَّهم، وعدَّهم عدًّا فلا يَخفَى عليه مبلَغُ جميعِهم، وعَرف عددَهم فلا يَعْزُبُ عنه مِنهم أحدٌ:
﴿وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا﴾. يقولُ: وجميعُ خَلْقِه سوفَ يَردُ عليه يوم تقومُ الساعةُ، وحيدًا لا ناصرَ له من اللهِ، ولا دافِعَ عنه؛ فيَقْضِى اللهُ فيه ما هو قاضٍ، ويصنَعُ به ما هو صانعٌ.
(١) تقدم تخريجه في ص ٥٣٨. قال في اللسان (ع ن ق): يصف جبلًا، يقول: لا ينبغى أن يكون فوقها سهل ولا جبل أحسن منها. والخلقاء - كما في اللسان (خ ل ق) - هي السماء.