للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمى، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾ قال: فذلك لمّا دخَل الناسُ في الإسلامِ، وأَعْطَى أهلُ الكتابِ الجِزْيةَ (١).

وقال آخرون: هذه الآية منسوخةٌ، وإنَّما نزَلتُ قبلَ أَن يُفْرَضَ القتالُ.

ذكرُ من قال ذلك

حدَّثني يونسُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرَني يعقوبُ بن عبدِ الرحمنِ الزُّهْرِيُّ، قال: سألتُ زيدَ بن أَسلمَ عن قولِ اللهِ تعالى ذكرُه: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾. قال: كان رسولُ اللهِ بمكة عشر سنينَ لا يُكْرِهُ أحدًا في الدينِ، فأبى المشرِكون إلا أن يُقاتِلُوهم، فاستأْذَنَ الله في قتالِهم، فأَذِن له (٢).

وأَوْلَى هذه الأقوالِ بالصوابِ قولُ مَن قال: نزَلتْ هذه الآيةُ في خاصٍّ من الناسِ. وقال: عنَى بقولِه تعالى ذكرُه: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾. أهلَ الكتابَين والمجوسَ، وكلَّ مَن جاز (٣) إقرارُه على دينِه المخالفِ دينَ الحقِّ، وأَخْذُ الجزيةِ منه. وأنكَر (٤) أن يكونَ منها شيءٌ منسوخٌ (٥).

وإنّما قلْنا: هذا القولُ أَوْلَى الأقوالِ بالصوابِ؛ لما قد دَلَّلْنا عليه في كتابِنا "اللطيف من البيانِ عن أُصولِ الأحكامِ"، من أنَّ الناسخ غيرُ كائنٍ ناسخًا إلا ما نَفَى


(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٢/ ٤٩٥ (٢٦١٧)، وابن الجوزى في النواسخ ص ٢١٨ من طريق محمد بن سعد به.
(٢) ذكره ابن عطية في المحرر الوجيز ٢/ ١٩٦ عن الزهري، عن زيد بن أسلم، وذكره النحاس في ناسخه ص ٢٥٨ عن زيد بن أسلم.
(٣) في م، ت ٢، س: "جاء".
(٤) في ص، م، س: "أنكروا".
(٥) في م: "منسوخًا".