للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مقيمين فيها أبدًا، ﴿وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا﴾. يقولُ: وكان تخليدُ هؤلاء الذين وصَفتُ لكم صفتَهم - فى جهنمَ على اللهِ يسيرًا؛ لأنه لا يقدِرُ مَن أراد ذلك به على الامتناعِ منه، ولا له أحدٌ يمنَعُه منه، ولا يستصعِبُ عليه ما أراد فعلَه به من ذلك، [وكلُّ ذلك على اللهِ يسيرٌ] (١)؛ لأن الخلقَ خلقُه، والأمرَ أمرُه.

القولُ فى تأويلِ قولِه جل ثناؤُه: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (١٧٠)﴾.

قال أبو جعفرٍ محمدُ بنُ جريرٍ : يعنى بقولِه جلَّ ثناؤُه: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ﴾. مشركي العربِ وسائرَ أصنافِ الكفرِ، ﴿قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ﴾. يعنى: محمدًا ، قد جاءكم ﴿بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ﴾. يقولُ: بالإسلامِ الذى ارتضاه اللهُ لعبادِه دينًا، يقولُ: ﴿مِنْ رَبِّكُمْ﴾. يعنى: من عندِ رَبِّكم، ﴿فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ﴾. يقولُ: فصدَّقوه وصدَّقوا بما جاءكم به من عندِ ربِّكم من الدينِ، فإن الإيمانَ بذلك خيرٌ لكم من الكفرِ به، ﴿وَإِنْ تَكْفُرُوا﴾. يقولُ: وإن تجحدوا رسالتَه، وتكذِّبوا به، وبما جاءكم به من عندِ ربِّكم، فإنّ جحودَ كم ذلك وتكذيبَكم به لن يضرَّ غيرَكم، وإنما مكروهُ ذلك عائدٌ عليكم، دونَ [اللهِ الذى] (٢) أمَركم بالذى بَعث به إليكم رسولَه محمدًا ، وذلك أن ﴿لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ مُلكًا وخلقًا، لا ينقُصُ كفرُكم بما كفَرتم به من أمرِه، وعصيانُكم إياه فيما عصيتموه فيه، من مُلكِه ولا سلطانِه شيئًا، ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾. يقولُ: وكان اللهُ عليمًا بما أنتم صائرون إليه من طاعتِه فيما أمَركم به وفيما نهاكم عنه، ومعصيتِه فى ذلك،


(١) فى م: "وكان ذلك على الله يسيرا".
(٢) فى ص، ت ١، ت ٢، ت ٣: "الذى"، وفى م: "الذي الله".