للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الجزاءُ قومًا. بإضمار الجزاءِ، وجَعْلِه مرفوعًا لِـ (يُجْزَى)، فيكونُ وجهًا من القراءة وإن كان بعيدًا.

والصوابُ من القول في ذلك عندنا أن قراءته بالياء والنون، على ما ذكرتُ من قرأة قراءة الأمصار، جائزةٌ بأيِّ تَيْنك القراءتين قرأ القارئُ. فأما قراءتُه على ما ذكَرتُ عن أبي جعفر، فغيرُ جائزةٍ عندِى لمعنيين؛ أحدُهما، أنها (١) خلافٌ لما عليه الحجةُ من القرأة، وغيرُ جائزٍ عندِى خلافُ ما جاءت به مستفيضًا فيهم. والثاني، بُعْدُها من الصحة في العربية إلَّا على استكراه الكلام على غير المعروف من وجهه (٢).

القولُ في تأويل قولِه تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (١٥)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: مَن عَمِل من عبادِ اللهِ بطاعته، فانتهى إلى أمره، وانزجر لنهيِه - فلنفسِه عمِل ذلك الصالحَ من العمل، وطلَب خلاصِها من عذابِ الله أطاع (٣)، لا لغير ذلك؛ لأنه لا يَنْفَعُ ذلك غيره، واللَّهُ عن عملِ كلِّ عاملٍ غنيٌّ، ﴿وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا﴾. يقولُ: ومن أساء عمله في الدنيا، بمعصيته فيها ربَّه، وخلافِه فيها أمرَه ونهيَه، فعلى نفسه جنَى؛ لأنه أوبَقها بذلك، وأكسبها به سُخْطَه، ولم يضرَّ أحدًا (٤) سوى نفسه. ﴿ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾. يقولُ: ثم أنتم أيُّها الناسُ أجمعون إلى ربِّكم تَصِيرون من بعد مماتكم، فيُجازِى المحسنَ منكم بإحسانِه، والمسيءَ بإساءتِه، فمن ورَد عليه منكم بعمل صالحٍ، جُوزِىَ من


(١) في م: "أنه".
(٢) قال ابن الجزرى في النشر ٢/ ٢٧٨ عن قراءة أبي جعفر: وكذا قرأ شيبة، وجاءت أيضًا عن عاصم. وهذه القراءة حجة على إقامة الجار والمجرور وهو (بما) مع وجود المفعول به الصريح وهو (قوما) مقام الفاعل كما ذهب إليه الكوفيون وغيرهم.
(٣) بعده في م: "ربه".
(٤) في ت ١، ت ٣: "أحد".