للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَقْرَبُه شيءٌ. فكأنه قد حرَّم نفسَه. ثم يُجْعَلُ ذلك صفةً لكلِّ شديدٍ يَتَحامَى لشدتِه، ويُقالُ: أَعْطِ الراقيَ بُسْلَتَه (١). يُرادُ بذلك: أُجْرتَه. وشرابٌ بَسِيلٌ. بمعنى: متروكٌ. وكذلك المُبْسَلُ بالجَريرةِ (٢)، وهو المُرْتَهَنُ بها، قيل له: مُبْسَلٌ. لأنه مُحَرَّمٌ (٣) مِن كلِّ شيءٍ إلا مما رُهِن فيه وأُسْلِم به. ومنه قولُ عوفِ بنِ الأحوصِ الكِلابيِّ (٤):

وإبْسَالِي بَنِيَّ بغيرِ جُرْمٍ … بعَوْناه (٥) ولا بدَمٍ مُراقِ

وقال الشَّنْفَري (٦):

هنالِك لا أَرْجُو حياةً تَسُرُّني … سَمِيرَ (٧) الليالي مُبْسَلًا بالجَرَائِرِ

فتأويلُ الكلامِ إذن: وذَكِّرْ بالقرآنِ هؤلاء الذين يَخُوضُون في آياتِنا، وغيرَهم مَّمن سلَك سبيلَهم مِن المشركين، كيلا تُبْسَلَ نفسٌ بذنوبِها وكفرِها بربِّها، وتُرْتَهَنَ فتُغْلَقَ (٨) بما كسَبَت مِن أجرامِها في عذابِ اللهِ، ﴿لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللهِ﴾.

يقولُ: ليس لها حينَ تُسْلَمُ بذنوبِها، فتُرْتَهَنُ بما كسَبَت مِن آثامِها، أحدٌ يَنْصُرُها، فيُنْقِذُها مِن اللهِ الذي جازاها بذنوبِها جزاءَها، ولا شفيعٌ يَشفَعُ لها، لوسيلةٍ له عندَه.

القولُ في تأويلِ قولِه عز ذكرُه: ﴿وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا﴾.


(١) في م: "بسيلته".
(٢) الجريرة: الجناية. الصحاح (ج ر ر).
(٣) بعده في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: (ومنه).
(٤) النوادر لأبي زيد ١٥١، ومجاز القرآن ١/ ١٩٤، والمعاني الكبير ٢/ ١١١٤.
(٥) بعا الذنب يبعاه ويبعوه: اجترمه واكتسبه. اللسان (ب ع و)، والبيت فيه.
(٦) ديوانه الطرائف الأدبية ص ٣٦.
(٧) في الديوان: (سجيس). وسمير الليالي وسجيها: أبد الليالي. اللسان (س م ر، س ج س) والبيت فيه.
(٨) هو من غلق الرهن، وذلك إذا لم يُفتكّ في الوقت المشروط، فيستحقه المرتهن. ينظر اللسان (غ ل ق).