للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإذ (١) كان صحيحًا عن رسولِ اللهِ ما ذكرنَا من غَسلِ عائشةَ رأسَه وهو مُعتكفٌ، فمعلومٌ أن المرادَ بقولِه: ﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ غيرُ جميعِ ما لزِمه اسمُ المباشرةِ وأنه معنيٌّ به البعضُ من معاني المباشرةِ دونَ الجميعِ، فإذا كان ذلك كذلك، وكان مُجمَعًا على أنَّ الجماعَ مما عُنِي به، كان واجبًا تحريمُ الجماعِ على المعتكفِ وما أشبَههُ، وذلك كلُّ ما قامَ في الالتذاذِ مَقامَه مِن المباشرةِ.

القولُ في تأويل قولِه تعالى: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا﴾.

يعني تعالى ذكرُه بذلك: هذه الأشياءُ التي بَيَّنْتُها من الأكلِ والشربِ والجماعِ في شهرِ رمضانَ نهارًا في غيرِ عذرٍ، وجماعِ النساءِ في الاعتكافِ في المساجدِ.

يقولُ: هذه أشياءُ حدَّدْتُها لكُم، وأمَرْتُكُم أن تَجتنِبوها في الأوقاتِ التي أمَرْتُكم أن تَجْتنِبوها وحرَّمْتُها فيها عليكم، فلا تقْرَبوها وابعُدوا منها أن تركَبوها، فتَستحِقُّوا بها من العقوبةِ ما يستحِقُّه مَن تعدَّى حُدودِي وخالَفَ أمْرِي وركِب معاصيَّ.

وكان بعضُ أهلِ التأويلِ يقولُ: حدودُ اللهِ شُروطُه.

وذلك معنًى قريبٌ من المعنَى الذي قلْنا، غيرَ أنَّ الذي قلْنا في ذلك أشبهُ بتأويلِ الكلمةِ، وذلك أنّ حدَّ كلِّ شيءٍ ما حصَره مِن المعاني وميَّز بينَه وبينَ غيرِه، فقولُه: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللهِ﴾ من ذلك، يعْني به: المحارمَ التي ميَّزها من الحلالِ المطلقِ، فحدَّدَها بنُعوتِها وصفاتِها وعرَّفَها عبادَه.

ذِكرُ من قال: إن ذلك بمعنى الشروطِ

حَدَّثَنِي موسى بنُ هارونَ، قال: ثنا عمرُو بنُ حمّادٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن


(١) في م: "فإذا".