للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يكونَ أراد توجيهَ ذلك إلى أن نبيَّ اللهِ ما أُمر بمنعِهم ما سألوه، ليُنِيبُوا من معاصى الله، ويتوبوا بمنعه إياهم ما سألوه، فيكون ذلك وجها يَحْتَمِلُه (٦) تأويلُ الآيةِ، وإن كان لقولِ أهلِ التأويلِ مُخالِفًا.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (٢٩)﴾.

وهذا مَثَلٌ ضرَبه اللهُ تعالى للمُمتنعِ من الإنفاقِ في الحقوقِ التي أوجَبها اللهُ في أموالِ ذوى الأموالِ، فجعَله [كالمَشدودةِ يدُه] (١) إلى عنقِه، الذي لا يَقْدِرُ على الأخذِ بها والإعطاءِ.

وإنما معنى الكلامِ: ولا تُمْسِك يا محمدُ يدَك بُخْلًا عن النفقةِ في حقوقِ اللَّهِ، فلا تُنْفِقُ فيها شيئًا إمساكَ المغلولةِ يدُه إلى عنقِه الذي لا يَستطِيعُ بسطَها، ﴿وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ﴾. يقولُ: ولا تَبْسُطْها بالعطيةِ كلَّ البسطِ، فتَبقَى لا شيءَ عندَك، ولا تَجِدُ، إذا سُئلت، شيئًا تُعْطِيه سائلَك، ﴿فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا﴾. يقولُ: فتَقْعُدَ يلومُك (٢) سائلوك إذا لم تُعْطِهم حينَ سأَلوك، وتلومُك نفسُك على الإسراعِ في مالكِ وذَهابِه، ﴿مَحْسُورًا﴾. يقولُ: مُعْيًى (٣)، قد انقُطِع بك، لا شيءَ عندَك لنفقةٍ.

وأصلُه - يُرى (٤) - من قولهم للدابةِ التي قد سِير عليها حتى انقَطَع سيرُها وكلَّتْ ورَزَحتْ من السيرِ -: دابةٌ (٥) حَسيرٌ. يقالُ منه: حسَرْتُ الدابةَ، فأنا


(١) في ص، ت ١، ت ٢، ف: "كالمشدود".
(٢) في ص، ت ١، ت ٢، ف: "ملومًا".
(٣) في ص، ت ١، ت ٢: "معينا"، وفى، م، ف: "معيبا"، وأثبتنا ما يستقيم مع السياق بعده.
(٤) سقط من: م.
(٥) في م: "بأنه".