للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الذي (١) همُّوا بالنبيِّ يومَ دخَل عليهم.

وقال بعضُ القائلين (٢): معنى ذلك: ولا تَزالُ تَطَّلِعُ على خائنٍ منهم. قال: والعربُ تَزيدُ الهاءَ في آخرِ المُذكَّرِ، كقولِهم: هو راويةٌ للشعرِ، ورجلٌ علَّامةٌ. وأنشدَ (٣):

حدَّثْتَ نفسَك بالوفاءِ ولم تَكُنْ … للغَدْرِ خَائِنَةً مُغِلَّ الإِصْبَعِ

فقال: خائنةً. وهو يُخاطِبُ رجلًا.

والصواب مِن التأويلِ في ذلك القولُ الذي روَيْناه عن أهلِ التأويلِ؛ لأن اللَّهَ عنَى بهذه الآيةِ القومَ مِن يهودِ بنى النَّضيرِ الذين همُّوا بقتلِ رسولِ اللَّهِ وأصحابِه، إذ أتاهم رسولُ يَسْتَعِينُهم في ديةِ العامريَّين، فأطْلَعَه اللَّهُ عزَّ ذكرُه على ما قد همُّوا به، ثم قال (٤) جلَّ ثناؤُه بعدَ تعريفِه أخبارَ أوائِلهم، وإعْلامِه منهجَ أسلافِهم، وأن آخرهم على منهاجِ أولِهم في الغدرِ والخيانةِ؛ لئلا يَكْبْر فعلُهم ذلك على نبيِّ اللَّهِ ، فقال جلَّ ثناؤُه: ولا تَزالُ تَطَّلِعُ مِن اليهودِ على خيانةٍ وغدرٍ ونقضِ عهدٍ. ولم يُرِدْ أنه لا يَزالُ يَطَّلِعُ على رجلٍ منهم خائنٍ، وذلك أن الخبرَ ابْتُدِئ به عن جَماعتِهم، فقيل: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ﴾ [المائدة: ١١]. ثم قيل: ﴿وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ﴾. فإذ كان الابتداءُ عن الجماعةِ، فالخَتْمُ (٥) بالجماعةِ أولى.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣)﴾.


(١) في ص، ت ١، ت ٢: "الذين".
(٢) هو أبو عبيدة في مجاز القرآن ١/ ١٥٨.
(٣) نسبه في مجاز القرآن ١/ ١٥٨ إلى الكلابى، وفى إصلاح المنطق ص ٢٦٦، والكامل للمبرد ١/ ٣٥٩ غير منسوب.
(٤) بعده في ص: "له".
(٥) في م: "فلتختم".