للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذكَرتُ أنَّا نَفعَلُ بهم من حشرهم على وجوهِهم عُميًا وبُكمًا وصُمًّا، وإصلائِناهم (١) النارَ على ما بَيَّنا من حالِهم فيها - ثوابُهم بكفرِهم في الدنيا ﴿بِآيَاتِنَا﴾. يعنى: بأدلتِه وحججِه، وهم رسلُه الذين دَعَوْهم إلى عبادتِه، وإفرادِهم إياه بالألوهةِ دونَ الأوثانِ والأصنامِ، وبقولِهم إذا أُمِروا بالإيمانِ بالمعادِ، وبثوابِ اللهِ وعقابهِ في الآخرةِ: ﴿أإِذَا كُنَّا عِظَامًا﴾ باليةً، ﴿وَرُفَاتًا﴾: قد صِرْنا ترابًا ﴿أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا﴾. يقولون: تُبْعَثُ بعدَ ذلك خلقًا جديدًا، كما ابتُدِثْنا (٢) أولَّ مرةٍ في الدنيا. استِنكارًا منهم لذلك، واستِعظامًا له (٣)، وتعجُّبًا من أن يكونَ ذلك.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا (٩٩)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ : أوَ (٤) لم يَنْظُرْ هؤلاء القائلون من المشركين: ﴿أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا﴾ بعيونِ قلوبهم، فيعلَموا ﴿انَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾، فابتدَعها من غيرِ شيءٍ، وأقامَها بقُدرتِه، ﴿قَادِرٌ﴾ بتلك القدرةِ ﴿عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ﴾: أشكالَهم وأمثالَهم من الخلقِ بعدَ فنائِهم وقبلَ ذلك، وأن مَن قدَر على ذلك فلا يَمتَنِعُ عليه إعادتَهم خلقا جديدًا، بعدَ أن يَصِيروا عظامًا ورُفاتًا.

وقولُه: ﴿وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: وجعَل الله


(١) في م: "إصلائنا إياهم".
(٢) في م: "ابتدأناه".
(٣) سقط من: م.
(٤) في ص، ت ١، ت ٢، ف: "إذ".