للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القولُ في تأويلِ قولِه جلّ ثناؤه: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٦٢)﴾.

قال أبو جعفرٍ: يعنى بذلك جلَّ ثناؤُه المُعْطِىَ مالَه المجاهدِين في سبيلِ اللَّهِ؛ معونةً لهم على جهادِ أعداءِ اللَّهِ. يقولُ تعالى ذكرُه: الذين يُعِينُون المجاهدِين في سبيلِ اللَّهِ بالإنفاقِ عليهم، وفى حُمُولاتِهم وغيرِ ذلك من مُؤَنِهم، ثم لم يُنْبِعْ نفقَتَه التي أَنفقَها عليهم مَنًّا عليهم بإنفاقِ ذلك عليهم، ولا أذًى لهم، [فأمّا منُّه] (١) به عليهم، فأن يُظْهِرَ لهم أنه قد اصطَنع إليهم - بفعلِه وعطائِه الذي أَعطاهُمُوه تقويةً لهم على جهادِ عدوِّهم - معروفًا، ويُبْدِيَ ذلك إمّا بلسانٍ أو فعلٍ. وأمّا الأذَى فهو شِكايتُه إيّاهم - سببِ ما أَعطاهم وقوَّاهم من النفقةِ في سبيلِ اللَّهِ - أنهم لم يَقُوموا بالواجبِ عليهم في الجهادِ، وما أَشبهَ ذلك من القولِ الذي يُؤْذِى به من أَنفَقَ عليه.

وإنما شَرَط ذلك في المُنْفِقِ في سبيلِ اللَّهِ، وأَوجبَ الأجرَ لمن كان غيرَ مانٍّ ولا مُؤْذٍ مَن أَنفَقَ عليه في سبيلِ اللَّهِ؛ لأن النفقةَ التي هي في سبيلِ اللَّهِ، ما (٢) ابْتُغِى به وجهُ اللَّهِ، وطُلِب به ما عنده، فإذا كان معنى النفقةِ في سبيلِ اللَّهِ هو ما وصَفْنا، فلا وجهَ لمَنَّ المُنْفِقِ على مَن أَنفقَ عليه [على ذلك الوجهِ، ولا إيذائِه إيَّاه بسبب إنفاقِه ما أنْفَق عليه] (٣)؛ لأنه لا يَدَ له قِبَلَه، ولا صنيعةَ يستحقُّ بها عليه - لم يُكافِئْه عليها - المنَّ والأذَى، إذ كانت نفقتُه ما أَنفقَ عليه احتسابًا، وابتغاء ثوابِ اللَّهِ، وطلبَ مَرْضاتِه، وعلى اللَّهِ مَثوبتُه دون مَن أَنفقَ ذلك عليه.


(١) في م: "فامتنانه".
(٢) في م: "مما".
(٣) سقط من: ص، م، ت ١، ت ٢، ت، س.