للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال آخرون: بل عُنِى بذلك تسخيرُه له الشياطينَ. قالوا: ومعنى الكلامِ: هذا الذي أعطَيْناك من كلِّ بنَّاءٍ وغَوَّاصٍ، من الشياطينِ وغيرِهم، عطاؤُنا.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ: ﴿هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾. قال: هؤلاء الشياطينُ، احبِسْ مَن شئْتَ منهم في وَثاقِك وفي عذابِك، أو سرِّحْ مَن شئْتَ منهم تَتَّخِذْ عندَه يدًا، اصنَعْ ما شئْتَ (١).

وقال آخرون: بل ذلك ما كان أُوتى من القوَّةِ على الجِماعِ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حُدِّثتُ عن أبي يوسفَ، عن سعدِ (٢) بن طريفٍ، عن عكرمةَ، عن ابن عباسٍ، قال: كان سليمانُ في ظهرِه ماءُ مِائَةِ رجلٍ، وكان له ثلاثُمِائةِ امرأةٍ، وتسعُمِائةِ سُرِّيَّةٍ، ﴿هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ (٣).

وأولى الأقوالِ في ذلك عندِى بالصوابِ القولُ الذي ذكَرْناه عن الحسنِ والضحَّاكِ، من أنه عَنَى بالعطاءِ ما أَعْطَاه من المُلْكِ تعالى ذكرُه؛ وذلك أنه جلَّ ثناؤُه ذكَر ذلك عَقِيبَ خبرِه عن مسألةِ نبيِّه سليمانَ صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه إياه مُلْكًا لا يَنْبَغي لأحدٍ من بعدِه، فأخبرَ أنه سخَّر له ما لم يُسَخِّرْ لأحدٍ من بني آدمَ، وذلك تسخيرُه له الريحَ والشياطينَ على ما وصَف (٤)، ثم قال له عزَّ ذكرُه: هذا الذي


(١) تفسير القرطبي ١٥/ ٢٠٧.
(٢) في ص، م، ت ٣: "سعيد". ينظر تهذيب الكمال ١٠/ ٢٧١.
(٣) تفسير القرطبي ٥/ ٢٠٦.
(٤) في م، ت ٢، ت ٣: "وصفت".