للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من الظلمِ فيما سواها، وإن كان الظلم على كلِّ حالٍ عظيمًا، ولكنَّ الله يُعظِّمُ مِن أمرِه ما شاء. وقال: إن الله اصْطَفى صَفَايا من خلقِه؛ اصْطَفى مِن الملائكةِ رُسُلًا، ومن الناسِ رُسُلًا، واصْطَفى من الكلام ذِكْرَه، واصْطَفى من الأرض المساجد، واصْطَفى من الشهور رمضان والأشهر الحرم، واصْطفى من الأيام يوم الجمعة، واصطفى من الليالى ليلةَ القَدْرِ، فَعَظِّموا ما عَظْمَ اللَّهُ، فإنما تُعَظَّمُ الأمورُ بما عَظَّمَها الله عند أهلِ الفهم وأهل العقل (١).

وقال آخرون: بل معنى ذلك: فلا تَظْلِموا في تَصْييرِكم حرام الأشهر الأربعةِ حلالًا، وخلالها حراما - أنفسكم.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سَلَمةُ، عن ابن إسحاق: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا﴾. إلى قوله: ﴿فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾. أي: لا تَجْعَلوا حَرامَها حلالًا، ولا حلالَها حرامًا، كما فَعَل أهلُ الشِّرْكِ، فإنما النَّسِيءُ الذي كانوا يَصْنَعون من (٢) ذلك ﴿زِيَادَةٌ فِي الكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ الآية (٣).

حدثنا محمدُ بنُ بَشَّارٍ، قال: ثنا عبد الرحمنِ، قال: ثنا سفيان، عن قيس بن مسلم، عن الحسن: ﴿فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ﴾. قال: ظلمُ أنفسكم ألا


(١) ذكره ابن كثير في تفسيره ٤/ ٩٠ وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٣/ ٢٣٦ إلى ابن أبي حاتم وابن المنذر وأبى الشيخ، وهو عند ابن أبي حاتم ٦/ ١٧٩٣ من طريق يزيد به إلى قوله: ما شاء.
(٢) سقط من: ص، ت ١، ت ٢، س، ف.
(٣) سيرة ابن هشام ٢/ ٥٤٨.