للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٤)﴾.

يقول تعالى ذكرُه: إن الله لا يفعَلُ بخلْقِه ما لا يَسْتَحِقُون منه؛ لا يُعاقِبُهم إلا بمعصيتهم إيَّاه، ولا يُعَذِّبهم إلا بكفرهم به، ﴿وَلَكِنَّ النَّاسَ﴾. يقولُ: ولكن الناس هم الذين يَظْلِمون أنفسَهم، باجْتِرامِهم ما يُورِثُها غضبَ اللَّهِ وسَخَطَه.

وإنما هذا إعلام من الله تعالى ذكرُه لنبيه محمد والمؤمنين به، أنه لم يَسْلُبْ هؤلاء الذين أخبر جلّ ثناؤه عنهم أنهم لا يُؤْمِنون، الإيمان ابتداءً منه بغيرِ جُزمٍ سَلَفَ منهم، وإخبارٌ أنه إنما سَلَبَهم ذلك باستحقاقٍ منهم سَلْبَه، لذنوبٍ اكْتَسَبوها، فحَقَّ عليهم قولُ ربّهم: ﴿وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ [التوبة: ٨٧].

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (٤٥)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: ويومَ نَحْشُرُ هؤلاء المشركين، فنَجْمَعُهم في موقفِ الحسابِ، كأنهم كانوا قبل ذلك لم يَلْبَثوا إلا ساعةً مِن نهارٍ يَتَعارَفون فيما بينهم، ثم انقَطَعتِ المعرفةُ، وانقَضَت تلك الساعةُ، يقولُ اللَّهُ: ﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاء اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾: قد غُبِنَ (١) الذين جَحَدوا ثوابَ اللهِ وعقابه حظوظهم (٢) مِن الخيرِ، وهَلكوا، ﴿وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾. يقولُ: وما كانوا مُوَفَّقِين لإصابةِ الرشدِ مما (٣) فَعَلوا من تكذيبهم بلقاءِ اللَّهِ؛ لأنَّه أكْسَبَهم ذلك ما لا قِبَلَ لهم به مِن عذاب الله.


(١) في ص، ت ١، ت ٢، س، ف: "عين".
(٢) في م: "وحظوظهم".
(٣) في ف: "عن ما".