للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القولُ في تأويلِ قوله: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: لكلِّ قومٍ منكم جعَلْنا شِرْعةً. والشِّرْعةُ هي الشَّرِيعةُ بعينِها، تُجْمَعُ الشِّرعةُ شِراعًا، والشريعةُ شَرائعَ، ولو جُمِعَت الشرعةُ شَرائع كان صَوابًا؛ لأن معناها ومعنى الشريعةُ واحدٌ، فيَرُدُّها عندَ الجمعِ إلى لفظِ نظيرِها. وكلُّ ما شرَعْتَ فيه مِن شيءٍ فهو شَريعةٌ، ومن ذلك قيل لشَريعةِ الماءِ: شَريعةٌ. لأنه يُشْرَعُ منها إلى الماءِ، ومنه سُمِّيَت شَرائعُ الإسلامِ شَرائعَ؛ لشُروعِ أهله فيه، ومنه قيل للقومِ إذا تَساوَوْا في الشيءِ: هم شَرَعٌ سَواءٌ.

وأما المِنْهاجُ، فإن أصلَه الطريقُ البيِّنُ الواضحُ، يقالُ منه: هو طريقٌ نَهْجٌ ومَنْهجٌ. بيِّنٌ، كما قال الراجزُ (١):

مَن يَكُ في شَكٍّ فهذا فَلْجُ

ماءٌ رَوَاءٌ وطَريقٌ نَهْجُ

ثم يُسْتَعْمَلُ في كلِّ شيءٍ كان بيِّنًا واضحًا سهلًا.

فمعنى الكلامِ: لكلِّ قومٍ منكم جعَلْنا طريقًا إلى الحقِّ يَؤُمُّه، وسبيلًا واضحًا يَعْمَلُ به.

ثم اختَلَف أهلُ التأويلِ في المعنيِّ بقولِه: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ﴾؛ فقال بعضُهم: عَنى بذلك أهلَ المللِ المختلفةِ. أيْ أن اللَّهَ جعَل لكلِّ مِلَّةٍ شريعةً ومِنْهاجًا.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بشرٌ بنُ معاذٍ، قال: ثنا يَزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه: ﴿لِكُلٍّ


(١) مجاز القرآن ١/ ١٦٨، ومعجم ما استعجم ٣/ ١٠٢٧، واللسان (ر و ى).