للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ (٤٨)﴾.

اخْتَلَفَت القَرَأَةُ في قراءةِ ذلك؛ فقرأَتْه عامةُ قرَأةِ الحجازِ والمدينةِ والبصرةِ: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا﴾ بالياءِ على الخبرِ عن الذين مكَروا السيئاتِ. وقرَأ ذلك بعضُ قرأةِ الكوفيين: (أَوَ لَمْ تَرَوا) بالتاءِ على الخطابِ (١).

وأولى القراءتين عندى بالصوابِ قراءةُ مَن قَرَأ بالياءِ، على وجهِ الخبرِ عن الذين مكَروا السيئاتِ؛ لأن ذلك في سياقِ قَصَصِهم والخبرِ عنهم، ثم عَقِبَ ذلك الخبرُ [عن ذَهابهم] (٢) عن حجةِ اللهِ عليهم، وترْكِهم النظرَ في أدلتِه، والاعتبارَ بها.

فتأويلُ الكلامِ إذن: أولم يَرَ هؤلاء الذين مكَروا السيئاتِ، إلى ما خلَق اللهُ مِن جسم قائمٍ؛ شجرٍ أو جبلٍ أو غيرِ ذلك. ﴿يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ﴾. يقولُ: يَرْجِعُ مِن موضعٍ إلى موضعٍ، فهو في أولِ النهارِ على حالٍ، ثم يَتَقَلَّصُ، ثم يَعودُ إلى حالٍ أُخرى في آخرِ النهارِ.

وكان جماعةٌ مِن أهلِ التأويلِ يقولون في اليمينِ والشَّمائلِ ما:

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ﴾. أما اليمينُ فأولُ النهارِ، وأما الشمائلُ (٣) فآخرُ النهارِ (٤).


(١) قرأ حمزة والكسائى: (أولم تروا إلى ما) بالتاء، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم ﴿أو لم يروا﴾ بالياء. وقرأ أبو عمرو: (تتفيأ) بالتاء، وقرأ الباقون بالياء. السبعة ص ٣٧٣، ٣٧٤، والتيسير في القراءات السبع ص ١١٢.
(٢) سقط من: ت ١، ت ٢، ف.
(٣) في م: "الشمال". وهو لفظ رواية البغوي.
(٤) تفسير عبد الرزاق ١/ ٣٥٦ عن معمر عن قتادة، وذكره البغوي في تفسيره ٥/ ٢٢، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٤/ ١١٩ بنحوه، إلى المصنف وابن المنذر وابن أبي حاتم.