للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (٦٨)﴾.

يعنى تعالى ذكرُه بقولِه: ﴿وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا﴾: وأُقْسِمُ ليَزِيدَنَّ كثيرًا من هؤلاء اليهودِ والنصارى، الذين قصَّ قصَصَهم في هذه الآياتِ الكتابُ الذي أنْزَلْتُه إليك يا محمدُ، ﴿طُغْيَانًا﴾. يقولُ: تَجاوُزًا وغُلُوًّا في التكذيبِ لك على ما كانوا عليه لك مِن ذلك قبلَ نزولِ الفرقانِ، ﴿وَكُفْرًا﴾. يقولُ: وجحودًا لنبوتِك.

وقد أتَيْنا على البيان عن معنى "الطُّغيانِ" فيما مضَى قبلُ (١).

وأما قولُه: ﴿فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾. يعني بقولِه (٢): ﴿فَلَا تَأْسَ﴾: فلا تَحْزَنُ. يقالُ: أَسِى فلانٌ على كذا. إذا حزِن، يَأْسَى أَسًى، ومنه قولُ الراجزِ (٣):

وانْحَلَبَت (٤) عَيْناه مِن فَرْطِ الأَسَى

يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه: لا تَحْزَنْ يا محمدُ على تكذيبِ هؤلاء الكفارِ مِن اليهودِ والنصارى مِن بني إسرائيلَ لك، فإن مثلَ ذلك منهم عادةٌ وخلُقٌ في أنبيائِهم، فكيف فيك؟

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني المثنى، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ صالحٍ، قال: ثني معاويةُ بنُ صالحٍ، عن


(١) ينظر ما تقدم في ١/ ٣٢٠، ٣٢١.
(٢) في م: "يقول".
(٣) ديوان العجاج ص ١٢٣، واللسان (ح ل ب).
(٤) في م: "أبخلت". وانحلبت عيناه: سال دمعهما. ينظر اللسان (ح ل ب).