للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ يعني: اطْعَموا من حلالِ الرزقِ الذي أحلَلْناه لكُم، فطابَ لكم بتحليلي إيَّاه لكم مما كنتم تُحَرِّمونه أنتم ولم أكنْ حرَّمْتُه عليكم، من المطاعم والمشاربِ، ﴿وَاشْكُرُوا لِلَّهِ﴾ يقولُ: وأَثنُوا على اللهِ جلّ ثناؤه بما هو [أهلٌ منكم] (١)، على النِّعمِ التي رزَقكم، وطيَّبها لكُمْ، ﴿إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ يقولُ: إن كنتم منقادِين لأمرِه سامعِين له مطيعِين، فكلوا مما أباحَ لكم أكلَه وحلَّله وطيَّبه لكم، ودَعوا في تحريمِه خطواتِ الشيطانِ.

وقد ذكَرنا بعضَ ما كانوا في جاهليتِهم يحرِّمونه من المطاعمِ، وهو الذي ندَبهم إلى أكلِه، ونهاهُم عن اعتقادِ تحريمِه، إذْ كان تحريمُهم إيَّاه كان في الجاهليةِ طاعةً منهم للشيطانِ، واتباعًا لأهلِ الكفرِ منهم باللهِ من الآباءِ والأسلافِ. ثم بيَّن لهم جلّ ثناؤه ما حرَّم عليهم، وفصَّله (٢) لهم مفسَّرًا.

القولُ في تأويلِ قولِه جلّ ثناؤه: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ﴾.

يعني جلّ ثناؤه بذلك: لا تحرِّموا على أنفُسِكم ما لم أحرِّمْه عليكم أيها المؤمنون باللهِ وبرسولِه من البحائرِ والسوائبِ ونحوِ ذلك، بل كُلُوا ذلك، فإني لم أحرِّمْ عليكم غيرَ المَيْتةِ والدمِ ولحمِ الخنزيرِ وما أُهِلَّ به لغيرِي.

ومعنى قولِه: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ﴾: ما حرَّم عليكم إلّا الميْتةَ.

و ﴿إِنَّمَا﴾ حرفٌ واحدٌ، ولذلك نُصِبت "الميتةُ والدمُ"، وغيرُ جائزٍ في "الميتةِ" إذا جعَلتَ "إنما" حرفًا واحدًا إلا النصبُ، ولو كانت "إنما"


(١) في م، ت ١: "أهله منكم".
(٢) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "فصل".