للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حرفين، [فكانت "ما"] (١) منفصلةً من "إنّ" لكانت "الميتةُ" مرفوعةً وما بعدَها، وكان تأويلُ الكلامِ حينئذٍ: إن الذي حرَّم اللهُ عليكم من المطاعمِ الميتةُ والدمُ ولحمُ الخنزيرِ لا غيرُ ذلك.

وقد ذُكِر عن بعضِ القرَأةِ أنه قرَأ ذلك كذلك على هذا التأويلِ (٢)، ولستُ للقراءةِ به مُستجيزًا، وإن كان له في التأويلِ والعربيةِ وجهٌ مفهومٌ؛ لاتفاقِ الحجةِ من القرأةِ على خلافِه، فغيرُ جائزٍ لأحدٍ الاعتراضُ عليهم فيما نقَلوه مجمِعين عليه، ولو قُرِئ (٣) (حُرِّم) (٤) بضمِّ الحاءِ من ﴿حَرَّمَ﴾ لكان في "الميتةِ" وجهانِ من الرفعِ؛ أحدُهما، من أن الفاعلَ غيرُ مسمًّى، و "إنما" حرفٌ واحدٌ.

والآخَرُ: أنّ "إنّ" و "ما" في معنى حرفيْن، و"حُرِّم" من صلةِ "ما"، و"الميتة" خبرُ "الذي" مرفوعٌ على الخبرِ. ولستُ - وإن كان لذلك أيضًا وجهٌ - مُستجيزًا القراءةَ به؛ لما ذكرتُ.

وأما ﴿الْمَيْتَةَ﴾، فإن القرأةَ مختلفةٌ في قراءتِها، فقرَأها بعضُهم بالتَّخفيفِ (٥)، ومعناه فيها التشديدُ، ولكنه يُخفِّفُها كما يخفِّفُ القائلون: هو هيْن ليْن، الهيِّنُ الليِّنُ. كما قال الشاعرُ (٦):

ليسَ مَن مات فاسْتَراح بمَيْتٍ … إنَّما الميتُ مَيِّتُ الأحياءِ


(١) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "وكانت".
(٢) وهم أبو جعفر بن القعقاع - وهو من العشرة - وابن أبي عبلة وأبو عبد الرحمن السلمي. ينظر معجم القراءات القرآنية ١/ ١٣٦.
(٣) بعده في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "في".
(٤) وهي قراءة أبي جعفر كما في البحر المحيط ١/ ٤٨٦ وهي قراءة شاذة.
(٥) هي قراءة أبي جعفر المدني. ينظر إتحاف فضلاء البشر ص ٩٢.
(٦) البيت لعدي ابن الرعلاء الغساني، وهو في الأصمعيات ص ١٥٢، ومعجم الشعراء ص ٨٦.