والمَرْجُ هو الخَلْطُ في كلامِ العربِ، على ما بيَّنتُ قبلُ، فلو كان البرزَجُ الذي بينَ العذبِ الفُراتِ من البحرينِ، والملحِ الأُجاجِ، أرضًا أو يَبَسًا، لم يَكُنْ هناك مَرْجٌ للبحرَينِ، وقد أخبرَ جلَّ ثناؤُه أنه مرَجهما، وإنَّما عرَفْنا قُدْرَتَه بِحَجْزِه هذا المِلْحَ الأُجاجَ عن إفسادِ هذا العذبِ الفراتِ، مع اختلاطِ كلِّ واحدٍ منهما بصاحبِه. فأمَّا إذا كان كُلُّ واحدٍ منهما في حيِّزٍ عن حيِّزٍ صاحبِه، فليس هناك مَرْجٌ، ولا هناك من الأعجوبةِ ما يُنَبَّهُ عليه أهلُ الجهلِ به من الناسِ، ويُذَكَّرونَ به، وإن كان كلُّ ما ابتدَعه ربُّنا عجبًا، وفيه أعظمُ العبرِ والمواعظِ والحُجَجِ البوالغِ.