للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمَرْجُ هو الخَلْطُ في كلامِ العربِ، على ما بيَّنتُ قبلُ، فلو كان البرزَجُ الذي بينَ العذبِ الفُراتِ من البحرينِ، والملحِ الأُجاجِ، أرضًا أو يَبَسًا، لم يَكُنْ هناك مَرْجٌ للبحرَينِ، وقد أخبرَ جلَّ ثناؤُه أنه مرَجهما، وإنَّما عرَفْنا قُدْرَتَه بِحَجْزِه هذا المِلْحَ الأُجاجَ عن إفسادِ هذا العذبِ الفراتِ، مع اختلاطِ كلِّ واحدٍ منهما بصاحبِه. فأمَّا إذا كان كُلُّ واحدٍ منهما في حيِّزٍ عن حيِّزٍ صاحبِه، فليس هناك مَرْجٌ، ولا هناك من الأعجوبةِ ما يُنَبَّهُ عليه أهلُ الجهلِ به من الناسِ، ويُذَكَّرونَ به، وإن كان كلُّ ما ابتدَعه ربُّنا عجبًا، وفيه أعظمُ العبرِ والمواعظِ والحُجَجِ البوالغِ.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا (٥٤)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: واللهُ الذي خلَق من النُّطَفِ بشرًا إنسًا، فجعَله نسبًا، وذلك سبعةٌ، وصِهرًا، وهو خمسةٌ.

كما حُدِّثتُ عن الحسينِ، قال: سمِعتُ أبا معاذٍ يقولُ: أخبَرنا عبيدٌ، قال: سمِعتُ الضحاكَ يقولُ في قولِه: ﴿فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا﴾: النسبُ سبعٌ؛ قولُه: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ﴾ إلى قولِه: ﴿وَبَنَاتُ الْأُخْتِ﴾، والصهرُ خمسٌ؛ قوله: ﴿وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ﴾ إلى قولِه: ﴿وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ﴾ [النساء: ٢٣].

وقولُه: ﴿وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا﴾. يقولُ: وربُّك يا محمدُ ذو قدرةٍ على خلقِ ما يشاءُ من الخلقِ، وتصريفِهم فيما شاء وأرادَ.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا (٥٥)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: ويعبُدُ هؤلاء المشركون باللهِ من دونِه آلهةً لا تنفعُهم