للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأحْسَبُ أنه إذا وُجِّه إلى الفسادِ مأخوذٌ من قولهم: خَلَف اللبنُ، إذا حمِض من طُولِ تركه في السِّقاءِ حتى يَفْسُدَ. فكأنَّ الرجلَ الفاسد مشبَّهٌ به. وقد يجوزُ أن يكونَ من (١) قولهم: خَلَف فمُ الصائم، إذا تغيَّرت رِيحُه.

وأمّا في تسكينِ اللام في الذمِّ، فقول لبيدٍ (٢):

ذَهَب الذين يُعاشُ في أكْنافِهم … وبَقِيتُ في خَلْفٍ كَجِلْدِ الأَجْرَب

وقيل: إن الخلْفَ الذي ذكر الله في هذه الآيةِ أَنْهم خَلَفُوا مَن قبلهم، هم النَّصارى.

ذِكرُ مَن قال ذلك

حدثني محمد بن عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهد في قولِ اللَّهِ: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ﴾. قال: النصارى (٣).

والصواب من القول في ذلك عندى أن يقال: إِن اللَّه تعالى ذكره إنما وصَفَ أنه خَلَف القومَ الذين قصَّ قَصصهم في الآياتِ التي مضت - خَلْفُ سَوْءٍ رَدِئٌ، ولم يذكُرْ لنا أنهم نَصارى في كتابه، وقِصَّتُهم بقَصَص اليهودِ أَشبَهُ منها بقَصَص النصارى.

وبعدُ، فإن ما قبل ذلك خبرٌ عن بني إسرائيلَ، وما بعده كذلك، فما بينهما بأن يكونَ خبرًا عنهم أشبه؛ إذْ لم يكن في الآية دليلٌ على صرف الخبر عنهم إلى غيرهم، ولا جاء بذلك دليلٌ يوجب صحة القول به.


(١) في النسخ: "منه". والمثبت صواب العبارة.
(٢) ديوانه ص ١٥٧.
(٣) تفسير مجاهد ص ٣٤٦، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره ٥/ ١٦٠٧، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٣/ ١٣٩ إلى ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر.