للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومَعْصِيتِها، مُحِيطٌ بذلك كلِّه، وهو مُجازِيهم على ذلك كلِّه.

وقولُه: ﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾. يقولُ جلَّ ثناؤُه: وللهِ سلطانُ السماواتِ والأرضِ ومُلْكُها، دونَ كلِّ مَن هو دونَه من سلطانٍ ومَلِكٍ، فإياه فارْهَبُوا أيُّها الناسُ، وإليه فارْغَبوا، لا إلى غيرِه، فإن بيدِه خزائنَ السماواتِ والأرضِ، لا يَخْشَى بعَطاياكم منها فقرًا، ﴿وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾. يقولُ: وأنتم إليه بعدَ وفاتِكم، مَصِيرُكم ومَعادُكم، فمُوَفِّيكُم (١) أجورَ أعمالِكم التي عَمِلتُموها في الدنيا، فأحْسِنوا عبادتَه، واجْتَهِدوا في طاعتِه، وقَدِّموا لأنفسِكم الصالحاتِ مِن الأعمالِ.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (٤٣) يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (٤٤)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ : ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ يا محمدُ، ﴿أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي﴾. يعني: يَسُوقُ ﴿سَحَابًا﴾ حيث يريدُ، ﴿ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ﴾. يقولُ: ثم يؤلِّفُ بينَ السحابِ.

وأضافَ "بينَ" إلى السحابِ، ولم يَذْكُرْ معه غيرَه، و "بينَ" لا تكونُ مضافةً إلا إلى جماعةٍ أو اثنين؛ لأن السحابَ في معنى جمعٍ، واحِدُه سحابةٌ، كما تُجمَعُ النخلةُ: نَخْلٌ. والتمرةُ: تمرٌ. فهو نظيرُ قولِ قائلٍ: جَلَس فلانٌ بينَ النخلِ.

وتأليفُ اللهِ السحابَ جمعُه بينَ مُتَفَرِّقِها.

وقولُه: ﴿ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا﴾. يقولُ: ثم يجعلُ السحابَ الذي يُزْجِيهِ، ويُؤلِّفُ بعضَه إلى بعضٍ - ﴿رُكَامًا﴾. يعنى: مُتَراكِمًا بعضُه على بعضٍ.


(١) في م: "فيوفيكم".