للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جُرَيجٍ، عن مجاهدٍ قولَه: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ﴾. قال: ﴿صَلَاتَهُ﴾ للناسِ، و ﴿وَتَسْبِيحَهُ﴾ عامةً لكلِّ شيءٍ.

ويَتَوَجَّهُ قولُه: ﴿كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ﴾ لوُجُوهٍ؛ أحدُها: أن تكونَ الهاءُ التي في قولِه: ﴿صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ﴾ مِن ذكر ﴿كُلٌّ﴾، فيكونَ تأويلُ الكلامِ: كلُّ مُصَلٍّ ومُسَبِّحٍ منهم، قد عَلِمَ اللهُ صلاته وتَسْبيحَه. ويكونَ "الكلُّ" حينَئذٍ مرتفعًا بالعائدِ من ذكرِه في قولِه: ﴿كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ﴾. وهو الهاءُ التي في "الصلاةِ".

والوجهُ الآخرُ: أن تكونَ الهاءُ في "الصلاةِ" و "التسبيحِ" أيضًا لـ "الكلِّ"، ويكونَ "الكلُّ" مُرْتَفِعًا بالعائدِ من ذكرِه عليه في ﴿عَلِمَ﴾، ويكونَ ﴿عَلِمَ﴾ فعلًا لـ "الكلِّ". فيكونَ تأويلُ الكلامِ حينَئذٍ: قد عَلِم كلُّ مُصَلٍّ ومُسَبِّحٍ منهم صلاةَ نفسِه وتَسْبيحَه الذي كُلِّفَه وأَلْزَمَه.

والوجهُ الآخِرُ: أن تكونَ الهاءُ في "الصلاةِ" و "التَّسْبِيحِ" مِن ذكرِ اللهِ، والعِلْمُ لـ "الكلِّ". فيكونَ تأويلُ الكلامِ حينَئذٍ: قد عَلِم كلُّ مُسَبِّحٍ ومُصَلٍّ صلاةَ اللهِ التي (١) كَلَّفَه إياها وتسبيحَه.

وأظهرُ هذه المعانى الثلاثةِ على هذا الكلامِ، المعنى الأولُ، وهو أن يكونَ المعنى: كلُّ مُصَلٍّ منهم ومُسَبِّحٍ قد عَلِمَ اللهُ صلاتَه وتَسْبيحَه.

وقولُه: ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: واللهُ ذو علمٍ بما يفعَلُ كلُّ مُصَلٍّ ومُسَبِّحٍ منهم، لا يَخْفَى عليه شيءٌ مِن أفعالِهم؛ طاعتِها


(١) في ص، ت،١، ت ٢، ت ٣، ف: "الذي".